صفحة جزء
( 5545 ) مسألة ; قال : وإن كانت ثيبا ، وادعى أنه يصل إليها ، أخلي معها في بيت ، وقيل له : أخرج ماءك على [ ص: 157 ] شيء . فإن ادعت أنه ليس بمني ، جعل على النار ، فإن ذاب فهو مني ، وبطل قولها

وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله ، رواية أخرى ، أن القول قوله مع يمينه . اختلفت الرواية عن أبي عبد الله ، رحمه الله ، في هذه المسألة ، فحكى الخرقي فيها روايتين ; إحداهما ، أنه يخلى معها ، ويقال له : أخرج ماءك على شيء . فإن أخرجه ، فالقول قوله ; لأن العنين يضعف عن الإنزال ، فإذا أنزل تبينا صدقه ، فنحكم به . وهذا مذهب عطاء فإن ادعت أنه ليس بمني ، جعل على النار ، فإن ذاب فهو مني ; لأنه شبيه ببياض البيض ، وذاك إذا وضع على النار تجمع ويبس ، وهذا يذوب ، فيتميز بذلك أحدهما من الآخر ، فيختبر به ، وعلى هذا متى عجز عن إخراج مائه ، فالقول قول المرأة ; لأن الظاهر معها . والرواية الثانية ، القول قول الرجل مع يمينه

وبهذا قال الثوري ، والشافعي وإسحاق ، وأصحاب الرأي وابن المنذر ; لأن هذا مما يتعذر إقامة البينة عليه ، وجنبته أقوى ، فإن في دعواه سلامة العقد ، وسلامة نفسه من العيوب ، والأصل السلامة ، فكان القول قوله ، كالمنكر في سائر الدعاوى ، وعليه اليمين على صحة ما قال

وهذا قول من سمينا هاهنا ; لأن قوله محتمل للكذب ، فقوينا قوله بيمينه ، كما في سائر الدعاوى التي يستحلف فيها . فإن نكل ، قضي عليه بنكوله ، ويدل على وجوب اليمين عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : { ولكن اليمين على المدعى عليه . } قال القاضي : ويتخرج أن لا يستحلف ، بناء على إنكاره دعوى الطلاق ، فإن فيها روايتين ، كذا هاهنا . والصحيح ما قال الخرقي لدلالة الخبر والمعنى عليه

وروي عن أحمد ، رواية ثالثة ، أن القول قول المرأة مع يمينها . حكاها القاضي في المجرد ; لأن الأصل عدم الإصابة ، فكان القول قولها ، لأن قولها موافق للأصل ، واليقين معها . وفي كل موضع حكمنا بوطئه ، بطل حكم عنته ، فإن كان في ابتداء الأمر ، لم تضرب له مدة . وإن كان بعد ضرب المدة ، انقطعت . وإن كان بعد انقضائها ، لم يثبت لها خيار . وكل موضع حكمنا بعدم الوطء منه ، ثبت حكم عنته ، كما لو أقر بها

واختار أبو بكر أنه يزوج امرأة لها حظ من الجمال ، وتعطى صداقها من بيت المال ، ويخلى معها ، وتسأل عنه ، ويؤخذ بما تقول ، فإن أخبرت أنه يطأ ، كذبت الأولى ، والثانية بالخيار بين الإقامة والفسخ وصداقها من بيت المال . وإن كذبته ، فرق بينه وبينهما ، وصداق الثانية من ماله هاهنا ، لما روي أن امرأة جاءت إلى سمرة ، فشكت إليه أنه لا يصل إليها زوجها ، فكتب إلى معاوية ، فكتب إليه ، أن زوجه بامرأة ذات جمال يذكر عنها الصلاح ، وسق إليها المهر من بيت المال عنه ، فإن أصابها فقد كذبت ، وإن لم يصبها فقد صدقت . ففعل ذلك سمرة ، فجاءت المرأة فقالت : ليس عنده شيء . ففرق بينهما .

وقال الأوزاعي : يشهده امرأتان ، ويترك بينهما ثوب ، ويجامع امرأته ، فإذا قام عنها نظرتا إلى فرجها ، فإن كان فيه رطوبة الماء فقد صدق ، وإلا فلا . وحكي عن مالك مثل ذلك ، إلا أنه اكتفى بواحدة . والصحيح أن القول قوله ، كما لو ادعى الوطء في الإيلاء ، ولما قدمنا .

واعتبار خروج الماء ضعيف ; لأنه قد يطأ ولا ينزل ، وقد ينزل من غير وطء ، فإن ضعف الذكر لا يمنع سلامة الظهر ونزول الماء ، وقد يعجز السليم القادر عن الوطء في بعض الأحوال ، وليس كل من [ ص: 158 ] عجز عن الوطء في حال من الأحوال ، أو وقت من الأوقات ، يكون عنينا ، ولذلك جعلنا مدته سنة ، وتزويجه بامرأة ثانية ، لا يصح لذلك أيضا ، ولأنه قد يعن عن امرأة دون أخرى ، ولأن نكاح الثانية إن كان مؤقتا أو غير لازم ، فهو نكاح باطل ، والوطء فيه حرام ، وإن كان صحيحا لازما ، ففيه إضرار بالثانية ، ولا ينبغي أن يقبل قولها ; لأنها تريد بذلك تخليص نفسها ، فهي متهمة فيه ، وليست بأحق أن يقبل قولها من الأولى ، ولأن الرجل لو أقر بالعجز عن الوطء في يوم أو شهر ، لم تثبت عنته بذلك ، وأكثر ما في الذي ذكروه ، أن يثبت عجزه عن الوطء في اليوم الذي اختبروه فيه ، فإذا لم يثبت حكم عنته بإقراره بعجزه ، فلأن لا تثبت بدعوى غيره ذلك عليه أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية