صفحة جزء
( 6218 ) مسألة قال : ومن ابتدأ صوم الظهار من أول شعبان ، أفطر يوم الفطر ، وبنى ، وكذلك إن ابتدأ من أول ذي الحجة ، أفطر يوم النحر وأيام التشريق . وبنى على ما مضى من صيامه وجملة ذلك ، أنه إذا تخلل صوم الظهار زمان لا يصح صومه عن الكفارة ، مثل أن يبتدئ الصوم من أول شعبان ، فيتخلله رمضان ويوم الفطر ، أو يبتدئ من ذي الحجة ، فيتخلله يوم النحر وأيام التشريق ، فإن التتابع لا [ ص: 30 ] ينقطع بهذا ، ويبني على ما مضى من صيامه . وقال الشافعي : ينقطع التتابع ، ويلزمه الاستئناف ; لأنه أفطر في أثناء الشهرين بما كان يمكنه التحرز منه ، فأشبه إذا أفطر بغير ذلك ، أو صام عن نذر ، أو كفارة أخرى .

ولنا أنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة ، فلم يقطع التتابع ، كالحيض والنفاس . فإن قال : الحيض والنفاس غير ممكن التحرز منه . قلنا : قد يمكن التحرز من النفاس بأن لا تبتدئ الصوم في حال الحمل ، ومن الحيض إذا كان طهرها يزيد على الشهرين ، بأن تبتدئ الصوم عقيب طهرها من الحيضة ، ومع هذا فإنه لا ينقطع التتابع به ، ولا يجوز للمأموم مفارقة إمامه لغير عذر ، ويجوز أن يدخل معه المسبوق في أثناء الصلاة ، مع علمه بلزوم مفارقته قبل إتمامها . ويتخرج في أيام التشريق رواية أخرى ، أنه يصومها عن الكفارة ، ولا يفطر إلا يوم النحر وحده . فعلى هذا ، إن أفطرها استأنف ; لأنها أيام أمكنه صيامها في الكفارة ، ففطرها يقطع التتابع كغيرها . إذا ثبت هذا ، فإنه إن ابتدأ الصوم من أول شعبان ، أجزأه صوم شعبان عن شهر ، ناقصا كان أو تاما .

وأما شوال ، فلا يجوز أن يبدأ به من أوله ; لأن أوله يوم الفطر ، وصومه حرام ، فيشرع في صومه من اليوم الثاني ، ويتمم شهرا بالعدد ثلاثين يوما . وإن بدأ من أول ذي الحجة إلى آخر المحرم ، قضى أربعة أيام ، وأجزأه ; لأنه بدأ بالشهرين من أولهما . ولو ابتدأ صوم الشهرين من يوم الفطر ، لم يصح صوم يوم الفطر ، وصح صوم بقية الشهر ، وصوم ذي القعدة ، ويحتسب له بذي القعدة ، ناقصا كان أو تاما ; لأنه بدأه من أوله . وأما شوال ، فإن كان تاما صام يوما من ذي الحجة ، مكان يوم الفطر ، وأجزأه ، وإن كان ناقصا ، صام من ذي الحجة يومين ; لأنه لم يبدأه من أوله . وإن بدأ بالصيام من أول أيام التشريق ، وقلنا : يصح صومها عن الفرض .

فإنه يحتسب له بالمحرم ، ويكمل صوم ذي الحجة بتمام ثلاثين يوما من صفر . وإن قلنا : لا يصح صومها عن الفرض . صام مكانها من صفر . ( 6219 ) فصل : ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر ، ومن أثنائه ، لا نعلم في هذا خلافا ; لأن الشهر اسم لما بين الهلالين ولثلاثين يوما ، فأيهما صام فقد أدى الواجب ، فإن بدأ من أول شهر ، فصام شهرين بالأهلة ، أجزأه ذلك ، تامين كانا أو ناقصين ، إجماعا . وبهذا قال الثوري ، وأهل العراق ، ومالك في أهل الحجاز ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وغيرهم ; لأن الله تعالى قال : { فصيام شهرين متتابعين } . وهذان شهران متتابعان .

وإن بدأ من أثناء شهر ، فصام ستين يوما . أجزأه ، بغير خلاف أيضا . قال ابن المنذر : أجمع على هذا من نحفظ عنه من أهل العلم . فأما إن صام شهرا بالهلال ، وشهرا بالعدد ، فصام خمسة عشر يوما من المحرم ، وصفر جميعه ، وخمسة عشر يوما من ربيع ، فإنه يجزئه ، سواء كان صفر تاما أو ناقصا ; لأن الأصل اعتبار الشهور بالأهلة ، لكن تركناه في الشهر الذي بدأ من وسطه لتعذره ، ففي الشهر الذي أمكن اعتباره يجب أن يعتبر . وهذا مذهب الشافعي ، وأصحاب الرأي . ويتوجه أن يقال : لا يجزئه إلا شهران بالعدد ; لأننا لما ضممنا إلى الخمسة عشر من المحرم خمسة عشر من صفر ، فصار ذلك شهرا صار ابتداء صوم الشهر الثاني من أثناء شهر أيضا . وهذا قول الزهري .

التالي السابق


الخدمات العلمية