صفحة جزء
( 7013 ) الفصل الثاني : إنه إذا ادعى القتل ، ولم تكن عداوة ، ولا لوث ، ففيه عن أحمد روايتان ; إحداهما ، لا يحلف المدعى عليه ، ولا يحكم عليه بشيء ، ويخلى سبيله . هذا الذي ذكره الخرقي هاهنا ، وسواء كانت الدعوى خطأ أو عمدا ; لأنها دعوى فيما لا يجوز بذله ، فلم يستحلف فيها ، كالحدود ، ولأنه لا يقضى في هذه الدعوى بالنكول ، فلم يستحلف فيها ، كالحدود ، والثانية ، يستحلف . وهو الصحيح ، وهو قول الشافعي ; لعموم قوله عليه السلام : { اليمين على المدعى عليه } .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم { لو يعطى الناس بدعواهم ، لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه } . ظاهر في إيجاب اليمين هاهنا لوجهين ; أحدهما ، عموم اللفظ فيه ، والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في صدر الخبر بقوله : { لادعى [ ص: 384 ] قوم دماء رجال وأموالهم } . ثم عقبه بقوله : { ولكن اليمين على المدعى عليه } . فيعود إلى المدعى عليه المذكور في الحديث ، ولا يجوز إخراجه منه إلا بدليل أقوى منه ، ولأنها دعوى في حق آدمي ، فيستحلف فيها ، كدعوى المال ، ولأنها دعوى لو أقر بها لم يقبل رجوعه عنها ، فتجب اليمين فيها ، كالأصل المذكور .

إذا ثبت هذا ، فالمشروع يمين واحدة . وعن أحمد ، أنه يشرع خمسون يمينا ; لأنها دعوى في القتل ، فكان المشروع فيها خمسين يمينا ، كما لو كان بينهم لوث . وللشافعي قولان في هذا ، كالروايتين . ولنا ، أن قوله عليه السلام : { ولكن اليمين على المدعى عليه } . ظاهر في أنها يمين واحدة من وجهين ; أحدهما ، أنه وحد اليمين ، فينصرف إلى واحدة والثاني : أنه لم يفرق في اليمين المشروعة ، فيدل على التسوية بين المشروعة في الدم والمال ، ولأنها يمين يعضدها الظاهر والأصل ، فلم تغلظ ، كسائر الأيمان ، ولأنها يمين مشروعة في جنبة المدعى عليه ابتداء ، فلم تغلظ بالتكرير كسائر الأيمان ، وبهذا فارق ما ذكروه . فإن نكل المدعى عليه عن اليمين ، لم يجب القصاص ، بغير خلاف في المذهب . وقال أصحاب الشافعي : إن نكل المدعى عليه ، ردت اليمين على المدعي ، فحلف خمسين يمينا ، واستحق القصاص إن كانت الدعوى عمدا ، والدية إن كانت موجبة للقتل ; لأن يمين المدعي مع نكول المدعى عليه كالبينة أو الإقرار ، والقصاص يجب بكل واحد منهما .

ولنا ، أن القتل لم يثبت ببينة ولا إقرار ، ولم يعضده لوث ، فلم يجب القصاص ، كما لو لم ينكل ، ولا يصح إلحاق الأيمان مع النكول ببينة ولا إقرار ; لأنها أضعف منها ، بدليل أنه لا يشرع إلا عند عدمهما ، فيكون بدلا عنهما ، والبدل أضعف من المبدل ، ولا يلزم من ثبوت الحكم بالأقوى ، ثبوته بالأضعف ، ولا يلزم من وجوب الدية ، وجوب القصاص ; لأنه لا يثبت بشهادة النساء مع الرجال ، ولا بالشاهد واليمين ، ويحتاط له ، ويدرأ بالشبهات ، والدية بخلافه . فأما الدية فتثبت بالنكول عند من يثبت المال به ، أو ترد اليمين على المدعي ، فيحلف يمينا واحدة ، ويستحقها ، كما لو كانت الدعوى في مال ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية