صفحة جزء
( 8008 ) فصل : إذا حلف لا يهب له ، فأهدى إليه ، أو أعمره حنث ; لأن ذلك من أنواع الهبة ، وإن أعطاه من الصدقة الواجبة ، أو نذر أو كفارة ، لم يحنث ; لأن ذلك حق لله - تعالى عليه ، يجب إخراجه ، فليس هو بهبة منه ، وإن تصدق عليه تطوعا ، فقال القاضي : يحنث . وهو مذهب الشافعي .

وقال أبو الخطاب : لا يحنث . وهو قول أصحاب الرأي ; لأنهما يختلفان اسما وحكما ; بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { هو عليها صدقة ، ولنا هدية } . وكانت الصدقة محرمة عليه ، والهدية حلال له ، وكان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة ، ومع هذا الاختلاف لا يحنث في أحدهما بفعل الآخر . ووجه الأول ، أنه تبرع بعين في الحياة ، فحنث به ، كالهدية ، ولأن الصدقة تسمى هبة ، فلو تصدق بدرهم ، قيل : وهب درهما ، وتبرع بدرهم . واختلاف التسمية لكون الصدقة نوعا من الهبة ، فيختص باسم دونها ، كاختصاص الهدية والعمرى باسمين ، ولم يخرجهما ذلك عن كونهما هبة ، وكذلك اختلاف الأحكام ، فإنه قد يثبت للنوع ما لا يثبت للجنس ، كما يثبت للآدمي من الأحكام ما لا يثبت لمطلق الحيوان . وإن وصى له ، لم يحنث ; لأن الهبة تمليك في الحياة ، والوصية إنما تملك بالقبول بعد الموت .

وإن أعاره ، لم يحنث ; لأن الهبة تمليك الأعيان ، وليس في العارية تمليك عين ، ولأن المستعير لا يملك المنفعة ، وإنما يستبيحها ، ولهذا يملك المعير الرجوع فيها ، ولا يملك المستعير إجارتها ، ولا إعارتها . هذا قول القاضي ، ومذهب الشافعي . وقال أبو الخطاب : يحنث ; لأن العارية هبة المنفعة . والأول أصح .

وإن أضافه ، لم يحنث ; لأنه لم يملكه شيئا ، وإنما أباحه ، ولهذا لا يملك التصرف بغير الأكل . وإن باعه وحاباه ، لم يحنث ; لأنه معاوضة يملك الشفيع أخذ جميع المبيع ، ولو كان هبة أو بعضه هبة ، لم يملك أخذه كله . وقال أبو الخطاب : يحنث ، في أحد الوجهين ; لأنه يترك له بعض المبيع بغير ثمن ، أو وهبه بعض الثمن . وإن وقف عليه ، فقال أبو الخطاب : يحنث ; لأنه تبرع له بعين في الحياة . ويحتمل أن لا يحنث ; لأن الوقف لا يملك ، في رواية .

وإن حلف لا يتصدق عليه ، فوهب له ، لم يحنث ; لأن الصدقة نوع من الهبة ، ولا يحنث الحالف على نوع بفعل نوع آخر ، ولا يثبت للجنس حكم النوع ، ولهذا حرمت الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تحرم الهبة ولا الهدية . وإن حلف لا يهب له شيئا ، فأسقط عنه دينا ، لم يحنث إلا أن ينوي ; لأن الهبة تمليك عين ، وليس له إلا دين في ذمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية