صفحة جزء
( 8230 ) مسألة ; قال : ( ولا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان ) لا خلاف بين أهل العلم فيما علمناه ، في أن القاضي لا ينبغي له أن يقضي وهو غضبان . كره ذلك شريح ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبو حنيفة ، والشافعي . { وكتب أبو بكرة إلى عبد الله بن أبي بكرة وهو قاض بسجستان ، أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان ; فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان } متفق عليه . وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى : إياك والغضب ، والقلق ، والضجر ، والتأذي بالناس ، والتنكر لهم عند الخصومة ، فإذا رأيت الخصم يتعمد الظلم ، فأوجع رأسه . ولأنه إذا غضب تغير عقله ، ولم يستوف رأيه وفكره .

وفي معنى الغضب كل ما شغل فكره من الجوع المفرط ، والعطش الشديد ، والوجع المزعج ، ومدافعة أحد الأخبثين ، وشدة النعاس ، والهم ، والغم ، والحزن ، والفرح ، فهذه كلها تمنع الحاكم ; لأنها تمنع حضور القلب ، واستيفاء الفكر ، الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب ، فهي في معنى الغضب المنصوص عليه ، فتجري مجراه . فإن حكم في الغضب أو ما شاكله ، فحكي عن القاضي ، أنه لا ينفذ قضاؤه ; لأنه منهي عنه ، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه . وقال في " المجرد " : ينفذ قضاؤه .

وهو مذهب الشافعي ; لما روي ، أن { النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه الزبير ورجل من الأنصار ، في شراج الحرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير : اسق ، ثم أرسل الماء إلى جارك . فقال الأنصاري : أن كان ابن عمتك . فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للزبير : اسق ، ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر } . متفق عليه . فحكم في حال غضبه . وقيل : إنما يمنع الغضب الحاكم إذا كان قبل أن يتضح له الحكم في المسألة ، فأما إن اتضح الحكم ، ثم عرض الغضب ، لم يمنعه ; لأن الحق قد استبان قبل الغضب ، فلا يؤثر الغضب فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية