صفحة جزء
( 8263 ) فصل : وإذا ترافع إلى الحاكم خصمان ، فأقر أحدهما لصاحبه ، فقال المقر له للحاكم : أشهد لي على إقراره شاهدين . لزمه ذلك ; لأن الحاكم لا يحكم بعلمه ، فربما جحد المقر ، فلا يمكنه الحكم عليه بعلمه ، ولو كان يحكم بعلمه احتمل أن ينسى ، فإن الإنسان عرضة النسيان ، فلا يمكنه الحكم بإقراره .

وإن ثبت عنده حق بنكول المدعى عليه ، أو بيمين المدعي بعد النكول ، فسأله المدعي أن يشهد على نفسه ، لزمه ; لأنه لا حجة للمدعي سوى الإشهاد ، وإن ثبتت عنده بينة فسأله الإشهاد ، ففيه وجهان ; أحدهما ، لا يلزمه ; لأن بالحق بينة ، فلا يجب جعل بينة أخرى . والثاني ، يجب ; لأن في الإشهاد فائدة جديدة ، وهي إثبات تعديل بينته ، وإلزام خصمه وإن حلف المنكر وسأل الحاكم الإشهاد على براءته لزمه ليكون حجة له .

في سقوط المطالبة مرة أخرى ، وفي جميع ذلك ، إذا سأله أن يكتب له محضرا بما جرى ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يلزمه ذلك ; لأنه وثيقة له ، فهو كالإشهاد ; لأن الشاهدين ربما نسيا الشهادة ، أو نسيا الخصمين ، فلا يذكرهما إلا رؤية خطيهما .

والثاني ، لا يلزمه ; لأن الإشهاد يكفيه . والأول أصح ; لأن الشهود تكثر عليهم الشهادات ، ويطول عليهم الأمد ، والظاهر أنهما لا يتحققان الشهادة تحققا يحصل به أداؤها ، فلا يتقيد إلا بالكتاب . فإن اختار أن يكتب له محضرا ، فصفته : حضر القاضي فلان بن فلان الفلاني ، قاضي عبد الله الإمام فلان ، على كذا وكذا .

وإن كان خليفة القاضي قال : خليفة القاضي فلان بن فلان الفلاني عبد الله قاضي الإمام بمجلس حكمه وقضائه . فإن كان يعرف المدعي والمدعى عليه بأسمائهما وأنسابهما ، قال : فلان بن فلان الفلاني ، وأحضر معه فلان بن فلان الفلاني . ويرفع في نسبهما حتى يتميز ويستحب ذكر حليتهما ، وإن أخل به ، جاز ; لأن ذكر نسبهما إذا رفع فيه أغنى عن ذكر الحلية . وإن كان الحاكم لا يعرف الخصمين ، قال : مدع ذكر أنه فلان بن فلان الفلاني ، وأحضر معه مدعى عليه ذكر أنه فلان بن فلان الفلاني . ويرفع في نسبهما ، ويذكر حليتهما ; لأن الاعتماد عليها ، فربما استعار النسب .

ويقول : أغم ، أو أنزع . ويذكر صفة العينين والأنف والفم والحاجبين ، واللون والطول والقصر . ما ادعى عليه كذا وكذا ، فأقر له . ولا يحتاج أن يقول : بمجلس حكمه . لأن الإقرار يصح في غير مجلس الحكم . وإن كتب أنه شهد على إقراره شاهدان ، كان أوكد . ويكتب الحاكم على رأس المحضر : الحمد لله رب العالمين . أو ما أحب من ذلك .

فأما إن أنكر المدعى عليه ، وشهدت عليه بينة ، قال : فادعى عليه كذا وكذا ، فأنكر ، فسأل الحاكم المدعي : ألك بينة ؟ فأحضرها ، وسأل الحاكم سماعها ففعل ، وسأله أن يكتب له محضرا بما جرى ، فأجابه إليه ، وذلك في وقت كذا .

ويحتاج هاهنا أن يذكر : بمجلس حكمه وقضائه . بخلاف الإقرار ; لأن البينة لا تسمع إلا في مجلس الحكم ، والإقرار بخلافه . ويكتب الحاكم في آخر المحضر : شهدا عندي بذلك .

فإن كان مع المدعي كتاب فيه [ ص: 116 ] خط الشاهد كتب تحت خطوطهما أو تحت خط كل واحد منهما : شهد عندي بذلك . ويكتب علامته في رأس المحضر ، وإن اقتصر على ذلك دون المحضر ، جاز . فأما إن لم تكن للمدعي بينة ، فاستحلف المنكر ، ثم سأل المنكر الحاكم محضرا لئلا يحلف في ذلك ثانيا ، كتب له مثل ما تقدم ، إلا أنه يقول : فأنكر ، فسأل الحاكم المدعي : ألك بينة ؟ فلم تكن له بينة فقال : لك يمينه . فسأله أن يستحلفه ، فاستحلفه في مجلس حكمه وقضائه ، في وقت كذا وكذا .

ولا بد من ذكر تحليفه ; لأن الاستحلاف لا يكون إلا في مجلس الحكم ، ويعلم في أوله خاصة . وإن نكل المدعى عليه عن اليمين ، قال : فعرض اليمين على المدعى عليه ، فنكل عنها ، فسأل خصمه الحاكم أن يقضي عليه بالحق ، فقضى عليه في وقت كذا . ويعلم في آخره ، ويذكر أن ذلك في مجلس حكمه وقضائه . فهذه صفة المحضر .

فأما إن سأل صاحب الحق الحاكم أن يحكم له بما ثبت في المحضر ، لزمه أن يحكم له به ، وينفذه ، فيقول : حكمت له به ، ألزمته الحق ، أنفذت الحكم به . فإن طلبه أن يشهد له على حكمه ، لزمه ذلك ، لتحصل له الوثيقة به . فإن طالبه أن يسجل له به ، وهو أن يكتب في المحضر ويشهد على إنقاذه ، سجل له .

وفي وجوب ذلك ، الوجهان المذكوران في المحضر . وهذه صورة السجل : صلى الله عليه وسلم هذا ما أشهد عليه القاضي فلان بن فلان الفلاني ، قاضي عبد الله الإمام ، على كذا وكذا في مجلس حكمه وقضائه ، في موضع كذا وكذا ، في وقت كذا وكذا ، أنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان ونسبهما ، وقد عرفهما بما ساغ له به قبول شهادتهما عنده بما في كتاب نسخه وينسخ الكتاب إن كان معه ، أو المحضر في أي حكم كان ، فإذا فرغ منه قال بعد ذلك : فحكم به ، فأنفذه وأمضاه ، بعد أن سأله فلان بن فلان ، أن يحكم له به .

ولا يحتاج أن يذكر أنه بمحضر المدعى عليه ; لأن القضاء على الغائب جائز ، فإن أراد أن يذكره احتياطا ، قال : بعد أن حضره من ساغ له الدعوى عليه . ويكتب الحاكم بالسجل والمحضر نسختين ; إحداهما ، تكون في يد صاحب الحق . والأخرى ، تكون في ديوان الحكم ، فإن هلكت إحداهما نابت الأخرى عنها ، ويختم الذي في ديوان الحكم ، ويكتب على طيه : سجل فلان بن فلان ، أو محضر فلان بن فلان ، أو وثيقة فلان بن فلان .

فإن كثر ما عنده جمع ما يجتمع في كل يوم أو أسبوع أو شهر ، على قدر كثرتها وقلتها وشدها إضبارة ، ويكتب عليها : أسبوع كذا ، من شهر كذا ، من سنة كذا . ثم يضم ما يجتمع في السنة ، ويدعها ناحية ، ويكتب عليها : كتب سنة كذا . حتى إذا حضر من يطلب شيئا منها ، سأله عن السنة ، فيخرج كتب تلك السنة ، ويسهل . وينبغي أن يتولى جمعها وشدها بنفسه ; لئلا يزور عليه ، فإن تولى ذلك ثقة من ثقاته ، جاز .

التالي السابق


الخدمات العلمية