صفحة جزء
( 8273 ) فصل : وإذا حضر القاضي خصوم كثيرة ، قدم الأول فالأول . وينبغي أن يبعث من يكتب من جاء الأول فالأول ، فيقدمه . قال ابن المنذر : الأحسن أن يتخذ خيطا ممدودا ، طرفه يلي مجلس الحاكم ، والطرف الآخر مجلس الخصوم ، فكل من جاء كتب اسمه في رقعة ، وثقبها ، وأدخلها في الخيط مما يلي مجلس الخصوم ، حتى يأتي على آخرهم ، فإذا جلس القاضي مد يده إلى الطرف الذي يليه ، فأخذ الرقعة التي تليه ، ثم التي بعدها كذلك ، حتى يأتي على آخرها فإن بقي منها شيء ، وزال الوقت الذي يقضي فيه ، عرف الطرف الذي يليه حين يجلس ، فيتناول في المجلس الثاني الرقاع ، كفعله بالأمس .

والاعتبار بسبق المدعي ; لأن الحق له ، ومتى قدم رجلا لسبقه فحكم بينه وبين خصمه ، فقال : لي دعوى أخرى . لم يسمع منه ; لأنه قد قدمه بسبقه في خصومة ، فلا يقدمه بأخرى ، ويقول له : اجلس حتى إذا لم يبق أحد من الحاضرين ، نظرت في دعواك الأخرى إن أمكن . فإذا فرغ الكل ، فقال الأخير بعد فصل خصومته : لي دعوى أخرى . لم يسمع منه ، حتى يسمع دعوى الأول الثانية ، ثم يسمع دعواه .

وإن ادعى المدعى عليه ، على المدعي ، حكم بينهما ; لأننا إنما نعتبر الأول فالأول في الدعوى ، لا في المدعى [ ص: 122 ] عليه . وإذا تقدم الثاني ، فادعى على المدعي الأول ، أو المدعى عليه الأول ، حكم بينهما .

وإن حضر اثنان ، أو جماعة دفعة واحدة ، أقرع بينهم ، فقدم من خرجت له القرعة ; لتساوي حقوقهم ، وإن كثر عددهم ، كتب أسماءهم في رقاع ، وتركها بين يديه ، ومد يده فأخذ رقعة رقعة ، واحدة بعد أخرى ، ويقدم صاحبها حسب ما يتفق . ( 8274 ) فصل : فإن حضر مسافرون ومقيمون ، وكان المسافرون قليلا ، بحيث لا يضر تقديمهم على المقيمين ، قدمهم ; لأنهم على جناح السفر ، يشتغلون بما يصلح للرحيل ، وقد خفف الله عنهم الصوم وشطر الصلاة تحقيقا عنهم ، وفي تأخيرهم ضرر بهم ، فإن شاء أفرد لهم يوما يفرغ من حوائجهم فيه ، وإن شاء قدمهم من غير إفراد يوم لهم .

فإن كانوا كثيرا ، بحيث يضر تقديمهم ، فهم والمقيمون سواء ، لأن تقديمهم مع القلة ، إنما كان لدفع الضرر المختص بهم فإذا آل دفع الضرر عنهم إلى الضرر بغيرهم ، تساووا . ولا خلاف في أكثر هذه الآداب ، وأنها ليست شرطا في صحة القضاء ، فلو قدم المسبوق ، أو قدم الحاضرين ، أو نحوه ، كان قضاؤه صحيحا .

التالي السابق


الخدمات العلمية