صفحة جزء
( 8284 ) فصل : في تغيير حال القاضي : ولا يخلو من أن يتغير حال الكاتب أو المكتوب إليه ، أو حالهما معا ، فإن تغيرت حال الكاتب ، بموت أو عزل ، بعد أن كتب الكتاب ، وأشهد على نفسه ، لم يقدح في كتابه ، وكان على من وصله الكتاب قبوله ، والعمل به ، سواء تغيرت حاله قبل خروج الكتاب من يده ، أو بعده . وبهذا قال الشافعي .

وقال أبو حنيفة : لا يعمل به في الحالين . وقال أبو يوسف : إن مات قبل خروجه من يده ، لم يعمل به ، وإن مات بعد خروجه من يده ، عمل به ; لأن كتاب الحاكم بمنزلة الشهادة على الشهادة ، لأنه ينقل شهادة شاهدي الأصل ، فإذا مات قبل وصول الكتاب ، صار بمنزلة موت شاهدي الفرع قبل أداء شهادتهما .

ولنا ، أن المعول في الكتاب على الشاهدين اللذين يشهدان على الحاكم وهما حيان ، فيجب أن يقبل كتابه ، كما لو لم يمت ، ولأن كتابه إن كان فيما حكم به ، فحكمه لا يبطل بموته وعزله ، وإن كان فيما ثبت عنده بشهادة ، فهو أصل ، واللذان شهدا عليه فرع ، ولا تبطل شهادة الفرع بموت شاهد الأصل ، وما ذكروه حجة عليهم ; لأن الحاكم قد أشهد على نفسه ، وإنما يشهد عند المكتوب إليه شاهدان عليه ، وهما حيان ، وهما شاهدا الفرع ، وليس موته مانعا من شهادتهما ، فلا يمنع قبولها ، كموت شاهدي الأصل .

وإن تغيرت حاله بفسق قبل الحكم بكتابته ، لم يجز الحكم به ; لأن حكمه بعد فسقه لا يصح ، فكذلك لا يجوز الحكم [ ص: 132 ] بكتابه ، ولأن بقاء عدالة شاهدي الأصل شرط في صحة الحكم بشاهدي الفرع ، فكذلك بقاء عدالة الحاكم ; لأنه بمنزلة شاهدي الأصل . وإن فسق بعد الحكم بكتابه لم يتغير ، كما لو حكم بشيء ثم بان فسقه ، فإنه لا ينقض ما مضى من أحكامه ، كهذا هاهنا .

وأما إن تغيرت حال المكتوب إليه بأي حال كان ; من موت ، أو عزل ، أو فسق ، فلمن وصل إليه الكتاب ممن قام مقامه ، قبول الكتاب ، والعمل به . وبه قال الحسن . حكي عنه أن قاضي الكوفة كتب إلى إياس بن معاوية قاضي البصرة كتابا ، فوصل وقد عزل ، وولي الحسن ، فعمل به . وبهذا قال الشافعي .

وقال أبو حنيفة : لا يعمل به ; لأن كتاب القاضي بمنزلة الشهادة على الشهادة عند المكتوب إليه ، وإذا شهد شاهدان عند قاض ، لم يحكم بشهادتهما غيره . ولنا ، أن المعول على شهادة الشاهدين ، بحكم الأول ، أو ثبوت الشهادة عنده ، وقد شهدا عند الثاني ، فوجب أن يقبل كالأول .

وقولهم : إنه شهادة عند الذي مات . ليس بصحيح ; فإن الحاكم الكاتب ليس بفرع ، ولو كان فرعا لم يقبل وحده ، وإنما الفرع الشاهدان اللذان شهدا عليه ، وقد أديا الشهادة عند المتجدد ، ولو ضاع الكتاب ، فشهدا بذلك عند الحاكم المكتوب إليه ، قبل ، فدل ذلك على أن الاعتبار بشهادتهما دون الكتاب ، وقياس ما ذكرناه ، أن الشاهدين لو حملا الكتاب إلى غير المكتوب إليه في حال حياته ، وشهدا عنده ، عمل به ; لما بيناه .

وإن كان المكتوب إليه خليفة للكاتب ، فمات الكاتب ، أو عزل ، انعزل المكتوب إليه ; لأنه نائب عنه ، فينعزل بعزله وموته ، كوكلائه . وقال بعض أصحاب الشافعي : لا ينعزل خليفته ، كما لا ينعزل القاضي الأصلي بموت الإمام ، ولا عزله .

ولنا ، ما ذكرناه ، ويفارق الإمام ; لأن الإمام يعقد القضاء والإمارة للمسلمين ، فلم يبطل ما عقده لغيره ، كما لو مات الولي في النكاح ، لم يبطل النكاح ، ولهذا ليس للإمام أن يعزل القاضي من غير تغير حاله ، ولا ينعزل إذا عزله ، بخلاف نائب الحاكم ، فإنه تنعقد ولايته لنفسه نائبا عنه ، فملك عزله ، ولأن القاضي لو انعزل بموت الإمام ، لدخل الضرر على المسلمين ; لأنه يفضي إلى عزل القضاة في جميع بلاد المسلمين ، وتتعطل الأحكام ، وإذا ثبت أنه لا ينعزل ، فليس له قبول الكتاب ; لأنه حينئذ ليس بقاض .

التالي السابق


الخدمات العلمية