صفحة جزء
( 8290 ) فصل : إذا ولى الإمام قاضيا ، ثم مات ، لم ينعزل ; لأن الخلفاء رضي الله عنهم ولوا حكاما في زمنهم ، فلم ينعزلوا بموتهم ، ولأن في عزله بموت الإمام ضررا على المسلمين ، فإن البلدان تتعطل من الحكام ، وتقف أحكام الناس إلى أن يولي الإمام الثاني حاكما ، وفيه ضرر عظيم .

وكذلك لا ينعزل القاضي إذا عزل الإمام ; لما ذكرنا . فأما إن عزله الإمام الذي ولاه أو غيره ، ففيه وجهان ، أحدهما : لا ينعزل . وهو مذهب الشافعي ; لأنه عقده لمصلحة المسلمين ، فلم يملك عزله مع سداد حاله ، كما لو عقد النكاح على موليته ، لم يكن له فسخه .

والثاني ، له عزله ; لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لأعزلن أبا مريم ، وأولين رجلا إذا رآه الفاجر فرقه . فعزله عن قضاء البصرة ، وولى كعب بن سوار مكانه .

وولى علي رضي الله عنه أبا الأسود ، ثم عزله ، فقال : لم عزلتني ، وما خنت ، ولا جنيت ؟ فقال : إني رأيتك يعلو كلامك على الخصمين .

ولأنه يملك عزل أمرائه وولاته على البلدان ، فكذلك قضاته .

[ ص: 135 ] وقد كان عمر رضي الله عنه يولي ويعزل ، فعزل شرحبيل بن حسنة عن ولايته في الشام ، وولى معاوية ، فقال له شرحبيل : أمن جبن عزلتني ، أو خيانة ؟ قال : من كل لا ، ولكن أردت رجلا أقوى من رجل .

وعزل خالد بن الوليد ، وولى أبا عبيدة .

وقد كان يولي بعض الولاة الحكم مع الإمارة ، فولى أبا موسى البصرة قضاءها وإمرتها .

ثم كان يعزلهم هو ، ومن لم يعزله ، عزله عثمان بعده إلا القليل منهم . فعزل القاضي أولى ، ويفارق عزله بموت من ولاه أو عزله ; لأن فيه ضررا ، وها هنا لا ضرر فيه ; لأنه لا يعزل قاضيا حتى يولي آخر مكانه ، ولهذا لا ينعزل الوالي بموت الإمام ، وينعزل بعزله .

وقد ذكر أبو الخطاب في عزله بالموت أيضا وجهين ، والأولى ، إن شاء الله تعالى ، ما ذكرناه .

فأما إن تغيرت حال القاضي ; بفسق ، أو زوال عقل ، أو مرض يمنعه من القضاء ، أو اختل فيه بعض شروطه ، فإنه ينعزل بذلك ، ويتعين على الإمام عزله ، وجها واحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية