صفحة جزء
( 8775 ) مسألة : قال : ( وإذا جنى المكاتب بدئ بجنايته قبل كتابته ، فإن عجز كان سيده مخيرا بين أن يفديه بقيمته إن كانت أقل من جنايته أو يسلمه ) . وجملة ذلك أن المكاتب إذا جنى جناية موجبة للمال تعلق أرشها برقبته ويؤدي من المال الذي في يده . وبهذا قال الحسن والحكم وحماد والأوزاعي ومالك والحسن بن صالح والشافعي وأبو ثور . وقال عطاء والنخعي وعمرو بن دينار : جنايته على سيده . قال عطاء : ويرجع سيده بها عليه . وقال الزهري : إذا قتل رجلا خطأ كانت كتابته وولاؤه لولي المقتول ، إلا أن يفديه سيده .

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يجني جان إلا على نفسه } ولأنها جناية عبد فلم تجب في ذمة سيده كالقن ، إذا ثبت هذا فإنه يبدأ بأداء الجناية قبل الكتابة سواء حل عليه نجم أو لم يحل .

وهذا المنصوص عليه عن أحمد والمعمول به في المذهب وذكر أبو بكر قولا آخر أن السيد يشارك ولي الجناية فيضرب بقدر ما حل من نجوم كتابته ; لأنه ما دينان فيتحاصان كسائر الديون .

ولنا أن أرش الجناية من العبد يقدم على سائر الحقوق المتعلقة به ، ولذلك قدمت على حق المالك وحق المرتهن وغيرهما فوجب أن يقدم هاهنا ، يحققه أن أرش جنايته مقدم على ملك السيد في عبده فيجب تقديمه على عوضه وهو مال الكتابة بطريق الأولى ; لأن الملك فيه قبل الكتابة كان مستقرا ، ودين الكتابة غير مستقر ، فإذا قدم على المستقر فعلى غيره أولى ; لأن أرش الجناية مستقر فيجب تقديمه على الكتابة التي ليست مستقرة .

إذا ثبت هذا فإنه يفدي نفسه بأقل الأمرين ; من قيمته أو أرش جنايته ; لأنه إن كان أرش الجناية أقل فلا يلزمه أكثر من موجب جنايته وهو أرشها ، وإن كان أكثر لم يكن عليه أكثر من قيمته ; لأنه لا يلزمه أكثر من بدل المحل الذي تعلق به الأرش ، فإن بدأ بدفع المال إلى ولي الجناية فوفى بما يلزمه من أرش الجناية وإلا باع الحاكم منه بما بقي من أرش الجناية ، وباقيه باق على كتابته ، وإن اختار الفسخ فله ذلك ويعود عبدا غير مكاتب مشتركا بين السيد وبين المشتري ، وإن أبقاه على الكتابة فأدى ، عتق بالكتابة وسرى العتق إلى باقيه ، وإن كان المكاتب موسرا يقوم عليه ، وإن كان معسرا عتق منه ما عتق وباقيه رقيق ، وإن لم يكن في يده مال ولم يف بالجناية إلا قيمته كلها بيع كله فيها وبطلت كتابته ، وإن بدأ بدفع المال إلى سيده نظرنا ; فإن [ ص: 376 ] كان ولي الجناية سأل الحاكم فحجر على المكاتب ثبت الحجر عليه ، وكان النظر فيه إلى الحاكم فلا يصح دفعه إلى سيده ، ويرتجعه الحاكم ويدفعه إلى ولي الجناية فإن وفى وإلا كان الحكم فيه على ما ذكرنا من قبل .

وإن لم يكن الحاكم حجر عليه صح دفعه إلى سيده ; لأنه يقضي حقا عليه فجاز كما لو قضى بعض غرمائه قبل الحجر عليه ، ثم إن كان ما دفعه إليه جميع مال الكتابة عتق ويكون الأرش في ذمته فيضمن ما كان عليه قبل العتق وهو أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته ; لأنه لا يلزمه أكثر مما كان واجبا بالجناية .

وإن أعتقه السيد فعليه فداؤه بذلك ; لأنه أتلف محل الاستحقاق فكان عليه فداؤه كما لو قتله وإن عجز ففسخ السيد كتابته فداه أيضا بما ذكرناه وقال أبو بكر : فيما إذا فداه سيده قولان يعني روايتين إحداهما : يفديه بأقل الأمرين ، والثانية : يفديه بأرش جنايته بالغة ما بلغت .

التالي السابق


الخدمات العلمية