صفحة جزء
( 8794 ) مسألة ; قال : وولد المكاتبة الذين ولدتهم في الكتابة ، يعتقون بعتقها وجملته أنه يصح مكاتبة الأمة ، كما تصح مكاتبة العبد . لا خلاف بين أهل العلم فيه . وقد دل عليه حديث ، بريرة ، وحديث جويرية بنت الحارث . ولأنها داخلة في عموم قوله : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } . ولأنها يمكنها التكسب والأداء ، فهي كالعبد . وإذا أتت المكاتبة بولد من غير سيدها ، إما من نكاح أو غيره ، فهو تابع لها ، موقوف على عتقها ، فإن عتقت بالأداء أو الإبراء ، عتق ، وإن فسخت كتابتها ، وعادت إلى الرق ، عاد رقيقا . وهذا قول شريح ، ومالك ، وأبي حنيفة ، والثوري ، وإسحاق . وسواء في هذا ما كان حملا حال الكتابة ، وما حدث بعدها .

وقال أبو ثور ، وابن المنذر : هو عبد قن ، لا يتبع أمه . وللشافعي قولان ، كالمذهبين . واحتجوا بأن الكتابة غير لازمة من جهة العبد ، فلا تسري إلى الولد ، كالتعليق بالصفة . ولنا ، أن الكتابة سبب ثابت للعتق ، لا يجوز إبطاله ، فسرى إلى الولد كالاستيلاد ، ويفارق التعليق بالصفة ، فإن السيد يملك إبطاله بالبيع . إذا ثبت هذا ، فالكلام في الولد في فصول أربعة ; في قيمته إذا تلف وفي كسبه ، [ ص: 385 ] وفي نفقته وفي عتقه . أما قيمته إذا تلف ، فقال أبو بكر : هو لأمه ، تستعين بها على كتابتها ; لأن السيد لا يملك التصرف فيه مع كونه عبدا ، فلا يستحق قيمته ، ولأنه بمنزلة جزء منها ، ولو جنى على جزء منها ، كان أرشه لها ، كذلك ولدها ، وإذا لم يستحقها هو كانت لأمه ; لأن الحق لا يخرج عنهما ، ولأن ولدها لو ملكته بهبة أو شراء كانت قيمته لها ، فكذلك لو تبعها . يحققه أنه إذا تبعها ، صار حكمه حكمها ، فلا يثبت ملك السيد في منافعه ، ولا في أرش الجناية عليه ، كما لا يثبت له ذلك فيها .

وقال الشافعي ، في أحد قوليه : تكون القيمة لسيدها ; لأنها لو قتلت ، كانت قيمتها لسيدها ، فكذلك ولدها . والفرق بينهما أن الكتابة تبطل بقتلها ، فيصير مالها لسيدها ، بخلاف ولدها ; فإن العقد باق بعد قتله ، فنظير هذا إتلاف بعض أعضائها . والحكم في إتلاف بعض أعضائها كالحكم في إتلافه . وأما كسبه ، وأرش الجناية عليه ، فينبغي أيضا أن يكون لأمه ; لأن ولدها جزء منها ، تابع لها ، فأشبه بقية أجزائها ، ولأن أداءها لكتابتها سبب لعتقه ، وحصول الحرية له ، فينبغي أن يصرف فيه ، بمنزلة صرفه إليه ، إذ في عجزها رقه ، وفوات كسبه عليه ، وأما نفقته فعلى أمه ; لأنها تابعة لكسبه وكسبه لها ، فنفقته عليها . وأما عتقه ، فإنه يعتق بأدائها أو إبرائها ، ويرق بعجزها ; لأنه تابع لها .

وإن ماتت المكاتبة على كتابتها ، بطلت كتابتها ، وعاد رقيقا قنا ، إلا أن تخلف وفاء ، فيكون على الروايتين . وإن أعتقها سيدها ، لم يعتق ولدها ; لأنه إنما تبعها في حكم الكتابة ، وهو العتق بالأداء ، وما حصل الأداء ، وإنما حصل عتقها بأمر لا يتبعها فيه ، فأشبه ما لو لم تكن مكاتبة . ومقتضى قول أصحابنا الذين قالوا : تبطل كتابتها بعتقها . أن يعود ولدها رقيقا . ومقتضى قولنا ، أنه يبقى على حكم الكتابة ، ويعتق بالأداء ; لأن العقد لم يوجد ما يبطله ، وإنما سقط الأداء عنها لحصول الحرية بدونه ، فإذا لم يكن لها ولد يتبعها في الكتابة ، ولا في يدها مال يأخذه ، لم يظهر حكم بقاء العقد ، ولم يكن في بقائه فائدة ، فانتفى لانتفاء فائدته ، وفي مسألتنا ، في بقائه فائدة ; لإفضائه إلى عتق ولدها ، فينبغي أن يبقى .

ويحتمل أن يعتق بإعتاقها لأنه جرى مجرى إبرائها من مال الكتابة . والحكم فيما إذا أعتقت باستيلاد أو تدبير أو تعليق بصفة ، كالحكم فيما إذا أعتقها ; لأنها عتقت بغير الكتابة . وإن أعتق السيد الولد دونها ، صح عتقه . نص عليه أحمد ، في رواية مهنا ; لأنه مملوك فصح عتقه ، كأمه ولأنه لو أعتقه معها لصح ، ومن صح عتقه مع غيره ، صح مفردا ، كسائر مماليكه . وقال القاضي : وقد كان يجب أن لا ينفذ عتقه : لأن فيه ضررا بأمه ، بتفويت كسبه عليها ; لأنها كانت تستعين به في كتابتها ، ولعل أحمد نفذ عتقه تغليبا للعتق . والصحيح أنه يعتق ، وما ذكره القاضي من الضرر لا يصح لوجوه ; أحدها ، أن الضرر إنما يحصل في حق من له كسب يفضل عن نفقته ، فأما من لا كسب له ، فتخليصها من نفقته نفع محض ، فلا ضرر في إعتاقه ; لأنها لا يفضل لها من كسبه شيء ينتفع به ، فكان ينبغي أن لا يقيد الحكم الذي ذكره بهذا القيد .

الثاني أن النفع بكسبها ليس بواجب لها ; بدليل أنه لا تملك [ ص: 386 ] إجباره على الكسب ، فلم يكن الضرر بفواته معتبرا في حقها . الثالث ، أن مطلق الضرر لا يكفي في منع العتق الذي تحقق مقتضيه ، ما لم يكن له أصل يشهد بالاعتبار ، ولم يذكر له أصلا ، ثم هو ملغى بعتق المفلس والراهن وسراية العتق إلى ملك الشريك ، فإنه يعتق مع وجود الضرر بتفويت الحق اللازم ، فهذا أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية