صفحة جزء
( 1028 ) مسألة : قال : ( ولا يبتدئ في هذه الأوقات صلاة يتطوع بها ) . لا أعلم خلافا في المذهب أنه لا يجوز أن يبتدئ صلاة تطوع غير ذات سبب . وهو قول الشافعي ، وأصحاب الرأي . وقال ابن المنذر : رخصت طائفة في الصلاة بعد العصر ، روينا ذلك عن علي ، والزبير ، وابنه ، وتميم الداري ، والنعمان بن بشير ، وأبي أيوب الأنصاري ، وعائشة ، وفعله الأسود بن يزيد ، وعمر ، وابن ميمون ، ومسروق ، وشريح ، [ ص: 430 ] وعبد الله بن أبي الهذيل ، وأبو بردة ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وابن البيلماني ، والأحنف بن قيس .

وحكي عن أحمد أنه قال : لا نفعله ولا نعيب فاعله . وذلك لقول عائشة رضي الله عنها : { ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط } . وقولها : وهم عمر ، إنما { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها } . رواهما مسلم . وقول علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { لا صلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة } . ولنا ، الأحاديث المذكورة في أول الباب ، وهي صحيحة صريحة ، وروى أبو بصرة ، قال : { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بالمخمص ، فقال : إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها ، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد } . رواه مسلم . وهذا خاص في محل النزاع .

وأما حديث عائشة ; فقد روى عنها ذكوان مولاها ، أنها حدثته ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها } . رواه أبو داود . وروى أبو سلمة ، أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر ، فقالت : كان يصليهما قبل العصر ، ثم إنه شغل عنهما ، أو نسيهما ، فصلاهما بعد العصر ، ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها . وعن أم سلمة قالت : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ، ثم رأيته يصليهما ، وقال : يا بنت أبي أمية ، إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم ، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان } . رواهما مسلم .

وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعله لسبب ، وهو قضاء ما فاته من السنة ، وأنه نهى عن الصلاة بعد العصر ، كما رواه غيرهما ، وحديث عائشة يدل على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، ونهيه غيره ، وهذا حجة على من خالف ذلك ، فإن النزاع إنما هو في غير النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت ذلك من غير معارض له .

( 1029 ) فصل : فأما التطوع لسبب غير ما ذكره الخرقي ، فالمنصوص عن أحمد ، رحمه الله ، في الوتر أنه يفعله قبل صلاة الفجر . قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل : أيوتر الرجل بعدما يطلع الفجر ؟ قال : نعم . وروي ذلك عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وحذيفة ، وأبي الدرداء ، وعبادة بن الصامت ، وفضالة بن عبيد ، وعائشة ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة ، وعمرو بن شرحبيل ، وقال أيوب السختياني وحميد الطويل : إن أكثر وترنا لبعد طلوع الفجر .

وبه قال مالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي . وروي عن علي رضي الله عنه أنه خرج بعد طلوع الفجر ، فقال : لنعم ساعة الوتر هذه . وروي عن عاصم ، قال : جاء ناس إلى أبي موسى ، فسألوه عن رجل لم يوتر حتى أذن المؤذن ؟ قال : لا وتر له ، فأتوا عليا فسألوه فقال : أغرق في النزع ، الوتر ما بينه وبين الصلاة . وأنكر ذلك عطاء ، والنخعي ، وسعيد بن جبير ، وهو قول أبي موسى على ما حكينا ، واحتجوا بعموم النهي .

ولنا ، ما روى أبو بصرة الغفاري ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح ، الوتر الوتر } . رواه الأثرم ، واحتج به أحمد ، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ، وأحاديث النهي الصحيحة ليست صريحة في النهي قبل صلاة الفجر ، على ما قدمناه ، إنما فيه حديث ابن عمر وهو غريب ، وقد روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من نام عن الوتر أو نسيه ، فليصله إذا أصبح أو ذكر } . رواه ابن ماجه . وهذا صريح في محل النزاع .

إذا ثبت هذا ، فإنه لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى [ ص: 431 ] يصبح ; لهذا الخبر ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له ما قد صلى } . متفق عليه . وهكذا قال مالك . وقال : من فاتته صلاة الليل فله أن يصلي بعد الصبح قبل أن يصلي الصبح ، وحكاه ابن أبي موسى ، في " الإرشاد " مذهبا لأحمد ، قياسا على الوتر ، ولأن هذا الوقت لم يثبت النهي فيه صريحا ، فكان حكمه خفيفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية