كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
( الثاني أن يكونوا بقرية مجتمعة البناء بما جرت العادة بالبناء به ، من حجر أو لبن أو طين أو قصب أو شجر ) لأنه صلى الله عليه وسلم { كتب إلى قرى عرينة أن يصلوا الجمعة } وقوله : مجتمعة البناء قال في المبدع : اعتبر أحمد في رواية ابن القاسم اجتماع المنازل في القرية قاله القاضي وقال أيضا : معناه متقاربة الاجتماع والصحيح : أن التفريق إذا لم تجر به العادة لم تصح فيها الجمعة زاد في الشرح : إلا أن يجتمع منها ما يسكنه أربعون فتجب بهم الجمعة ، ويتبعهم الباقون قال ابن تميم والمجد في فروعه : وربض البلد له حكمه وإن كان بينهما فرجة ا هـ فيحمل قوله : مجتمعة البناء على أن لا تكون متفرقة بما يخرج عن العادة ، كما يعلم مما يأتي في كلامه ( يستوطنها أربعون ) فأكثر ، ولو ( بالإمام من أهل وجوبها ) أي وجوب الجمعة .

لما روى أبو داود عن كعب بن مالك قال " أول من صلى بنا الجمعة في نقيع الخضمات أسعد بن زرارة وكنا أربعين صححه ابن حبان والبيهقي والحاكم وقال على شرط مسلم .

وقال جابر " مضت السنة في كل أربعين فما فوق جمعة وأضحى وفطر رواه الدارقطني وفيه ضعف ( استيطان إقامة لا يظعنون ) أي يرحلون ( عنها صيفا ولا شتاء ) لأن ذلك هو الاستيطان ( فلا تجب ) الجمعة ( ولا تصح من مستوطن بغير بناء ، كبيوت الشعر والخيام والخراكي ونحوها ) لأن ذلك لم يقصد للاستيطان غالبا .

ولذلك كانت قبائل العرب حوله صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم بها زاد في المستوعب وغيره : ولو اتخذوها أوطانا لأن استيطانهم في غير بنيان ( ولا ) تجب ولا تصح ( في بلد يسكنها أهلها بعض السنة دون بعض ) لعدم الإقامة قال ابن تميم : وكذا لو دخل قوم بلدا لا ساكن به بنية الإقامة به سنة فلا جمعة عليهم ولو أقام ببلد ما يمنع القصر وأهله أي البلد لا تجب عليهم فلا جمعة أيضا ( أو بلد فيها دون العدد المعتبر ) فلا جمعة عليهم ، لعدم صحتها منهم ( أو ) بلد ( متفرقة بما لم تجر العادة به ) [ ص: 28 ] أي تفرقا كثيرا غير معتاد .

( ولو شملها اسم واحد ) لعدم الاجتماع ( وإن خربت القرية أو بعضها ، وأهلها مقيمون بها عازمون على إصلاحها فحكمها باق في إقامة الجمعة بها ) لعدم ارتحالهم أشبهوا المستوطنين .

( فإن عزموا على النقلة عنها ) أي عن القرية الخراب ( لم تجب عليهم الجمعة لعدم الاستيطان وتصح ) الجمعة ( فيما قارب البنيان من الصحراء ، ولو بلا عذر ) فلا يشترط لها البنيان لقول كعب بن مالك : أسعد بن زرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع ، يقال له ، نقيع الخضمات قال : كم كنتم يومئذ ؟ قال : أربعين رجلا رواه أبو داود والدارقطني قال البيهقي حسن الإسناد صحيح قال الخطابي حرة بني بياضة على ميل من المدينة وقياسا على الجامع لكن قال ابن عقيل : إذا صلى في الصحراء استخلف من يصلي بالضعفة ( ولا ) تصح الجمعة ( فيما بعد ) عن البنيان ، لشبههم إذن بالمسافرين .

( ولا يتمم عدد من مكانين متقاربين ) كقريتين في كل منهما عشرون فلا تتمم الجمعة منهما ولو قرب ما بينهما لأنه لا يشملهما اسم واحد أشبهتا المتباعدين .

( ولا يصح تجميع ) عدد ( كامل في ) محل ( ناقص ) فيه العدد ( مع القرب الموجب للسعي ) ويلزم التجميع في الكامل لئلا يصير التابع متبوعا وعدم الصحة مع البعد أولى .

( والأولى مع تتمة العدد فيها ) أي المكانين ( تجمع كل قوم ) في قريتهم لأنه أبلغ في إظهار الشعار .

( وإن جمعوا في مكان واحد فلا بأس ) بذلك لتأديتهم فرضهم ( ولا يشترط للجمعة المصر ) خلافا لأبي حنيفة لما تقدم من كتابته صلى الله عليه وسلم إلى قرى عرينة " أن يصلوا الجمعة " ولما روى الأثرم عن أبي هريرة أنه " كتب إلى عمر يسأله عن الجمعة بالبحرين وكان عامله عليها فكتب إليه عمر : جمعوا حيث كنتم قال أحمد : إسناده جيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية