كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
( ويحرم فيه أي المسجد ) البيع والشراء والإجارة ; ( لأنها نوع من البيع ) للمعتكف وغيره ، وظاهره قل المبيع أو كثر احتاج إليه أو لا لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع والابتياع وعن تناشد الأشعار في المساجد } رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه .

ورأى عمران القصير رجلا يبيع في المساجد فقال : يا هذا إن هذا سوق الآخرة فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا " ( فإن فعل ) أي :باع أو اشترى في المسجد ( فباطل ) قال أحمد ، وإنما هذه بيوت الله لا يباع فيها ولا يشترى وجوز أبو حنيفة البيع وأجازه مالك والشافعي مع الكراهة ، وقطع بالكراهة في الفصول والمستوعب .

وفي الشرح في آخر كتاب البيع ( ويسن أن يقال له ) أي لمن باع أو اشترى في المسجد : ( لا أربح الله تجارتك ) ردعا له ، ( ولا يجوز التكسب فيه ) أي المسجد ( بالصنعة كخياطة وغيرها قليلا كان ) ذلك ( أو كثيرا لحاجة وغيرها ) وفي المستوعب .

سواء كان الصانع يراعي المسجد بكنس أو رش ونحوه أو لم يكن ; لأنه بمنزلة التجارة [ ص: 367 ] بالبيع والشراء ، ( ولا يبطل بهن ) أي : بالبيع والشراء والإجارة والتكسب بالصنعة ( الاعتكاف ) كسائر المحرمات التي لا تخرجه عن أهلية العبادة ( فلا يجوز أن يتخذ المسجد مكانا للمعايش ) ; لأنه لم يبن لذلك ( وقعود الصناع والفعلة فيه ينتظرون من يكريهم بمنزلة وضع البضائع فيه ينتظرون من يشتريها وعلى ولي الأمر منعهم من ذلك ) كسائر المحرمات ، ( وإن وقفوا ) أي الصناع والفعلة ( خارج أبوابه ) ينتظرون من يكريهم ( فلا بأس ) بذلك لعدم المحذور .

قال ( الإمام ) أحمد في رواية حنبل : ( لا أرى لرجل ) ومثله الخنثى والمرأة ( إذا دخل المسجد إلا أن يلزم نفسه الذكر والتسبيح فإن المساجد إنما بنيت لذلك وللصلاة ، فإذا فرغ من ذلك خرج إلى معاشه ) لقوله تعالى { : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } .

( و ) يجب أن ( يصان ) المسجد عن عمل صنعة لتحريمها فيه كما تقدم ( ولا يكره اليسير ) من العمل في المسجد ( لغير التكسب كرقع ثوبه وخصف نعله ، سواء كان الصانع يراعي ) أن يتعهد ( المسجد بكنس ونحوه ) كرش ( أو لم يكن ) كذلك ( ويحرم ) فعل ذلك ( للتكسب كما تقدم إلا الكتابة ، فإن ) الإمام ( أحمد سهل فيها ولم يسهل في وضع النعش فيه ، قال القاضي سعد الدين الحارثي : لأن الكتابة نوع تحصيل للعلم فهي في معنى الدراسة ) ، وهذا يوجب التقيد بما لا يكون تكسبا ، وإليه أشار بقوله : فليس ذلك كل يوم ، انتهى كلام الحارثي قال في الآداب الكبرى : وظاهر ما نقل الأثرم : التسهيل في الكتابة مطلقا لما فيه من تحصيل العلم وتكثير كتبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية