كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
فصل ( ثم يغسل وجهه ) للنص ، فيأخذ الماء بيديه جميعا أو يغترف بيمينه ويضم إليها الأخرى ويغسل بهما ( ثلاثا ) لأن السنة قد استفاضت به ، خصوصا حديث عثمان المتفق عليه وحد الوجه ( من منابت شعر الرأس المعتاد غالبا ) فلا عبرة بالأقرع ، الذي ينبت شعره في بعض جبهته ، ولا بالأجلح الذي انحسر شعره عن مقدم رأسه ( مع ما انحدر من اللحيين ) بفتح اللام وكسرها ( والذقن ) وهو مجمع اللحيين ، بفتح الذال والقاف ( طولا ) أي من جهة الطول ( و ) حد الوجه ( من الأذن إلى الأذن عرضا ) ; لأن ذلك تحصل به المواجهة ، والأذنان ليستا من الوجه ( فيدخل فيه ) أي الوجه ( عذار وهو الشعر النابت على العظم الناتئ ) أي المرتفع ( المسامت ) أي المحاذي ( صماخ الأذن ) بكسر الصاد ، وهو خرقها ، وكذا البياض الذي بين العذار والأذن من الوجه ونص عليه الخرقي .

لأنه يغفل الناس عنه وقال مالك ليس من الوجه ولا يجب غسله قال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بقوله هذا ( وعارض هو ما تحت العذار إلى الذقن ولا يدخل ) في الوجه صدغ بضم الصاد المهملة ( وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار يحاذي رأس الأذن وينزل عنه قليلا ) وهو من الرأس ; لأن في حديث الربيع { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مرة واحدة } رواه أبو داود ولم ينقل أحد أنه غسل مع الوجه ( ولا ) يدخل أيضا في الوجه ( تحذيف ، وهو الشعر الخارج إلى طرفي الجبين في جانبي الوجه بين النزعة ومنتهى العذار ، ولا النزعتان وهما ما انحسر الشعر عنه من فوق الرأس ، وهما جانبا مقدمه ) قال في القاموس : الفود : معظم شعر الرأس مما يلي الأذن وناحية الرأس ( بل جميع ذلك من الرأس ، فيمسح معه ) أما الصدغ فلما تقدم .

أما التحذيف : فلأنه شعر متصل بشعر الرأس لم يخرج عن حده ، أشبه الصدغ وأما النزعتان : فلأنه لا تحصل بهما المواجهة ، ولدخولهما في حد الرأس لأنه ما ترأس وعلا وقول الشاعر :

فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا

[ ص: 96 ] فالإضافة لأدنى ملابسة ، كما في { سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره } مع أن الأذنين ليستا من الوجه ، بل مجاورتان له وكذا النزعتان ( ولا يجب ) غسل داخل عين ( بل ولا يسن غسل داخل عين لحدث ) أصغر أو أكبر قال في الشرح وغيره ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا أمر به ( ولو أمن الضرر ، بل يكره ) لأنه مضر .

وقد روي أن ابن عمر عمي من كثرة إدخال الماء في عينيه ( ولا يجب ) غسل داخل العين ( من ) نجاسة فيها أي في العين ، لما تقدم فيعفى عنها في الصلاة .

( والفم والأنف من الوجه ) لدخولهما في حده ( فتجب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الكبرى والصغرى ) فلا يسقط واحد منهما ، لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد } منه رواه أبو بكر في الشافي .

وعن أبي هريرة قال { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق } .

وفي حديث لقيط بن صبرة { إذا توضأت فتمضمض } رواهما أبو داود والدارقطني ولأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم يستقصي ، ذكر أنه تمضمض واستنشق ، ومداومته عليهما تدل على وجوبهما ; لأن فعله يصلح أن يكون بيانا لأمر الله تعالى ، و لأن الفم والأنف في حكم الظاهر ، بدليل أن الصائم لا يفطر بوصول شيء إليهما ، ويفطر بعود القيء بعد وصوله إليهما ويجب غسلهما من النجاسة ( ويسميان ) أي المضمضة والاستنشاق ( فرضين ) لأن الفرض والواجب مترادفان على الصحيح .

وقال ابن عقيل هما واجبان لا فرضان ( ولا يسقطان سهوا ) لما تقدم ( ويجب غسل اللحية ) بكسر اللام ( وما خرج عن حد الوجه منها ) من الشعر المسترسل ( طولا وعرضا ) لأن اللحية تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة وخرج ما نزل من الرأس عنه لعدم مشاركته الرأس في الترؤس ( ويسن تخليل الساتر للبشرة منها ) أي من اللحية ( بأخذ كف من ماء يضعه من تحتها بأصابعه مشتبكة فيها ) أي اللحية ( أو ) يضعه .

( من جانبيها ويعركها ) لحديث { عثمان أنه توضأ وخلل لحيته حين غسل وجهه ثم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل الذي رأيتموني فعلت } رواه الترمذي وصححه : وحسنه البخاري ( وكذا عنفقة وشارب وحاجبان ولحية امرأة وخنثى ) إذا كان كثيفا ( ويجزئ غسل ظاهره ) كلحية الذكر ( ويسن غسل باطنه ) أي باطن ذلك الشعر غير شعر اللحية ، خروجا من خلاف من أوجبه كالشافعي .

( و ) يسن ( أن يزيد في ماء الوجه ) لأساريره ودواخله وخوارجه وشعوره [ ص: 97 ] قاله أحمد وكره أن يأخذ الماء ثم يصبه ثم يغسل وجهه وقال هذا مسح وليس بغسل ( والخفيف ) من شعور الوجه كلها وهو الذي يصف البشرة ( يجب غسله و ) غسل ( ما تحته ) ; لأن الذي لا يستره شعره يشبه ما لا شعر عليه ويجب غسل الشعر تبعا للمحل فإن كان في شعره كثيف وخفيف فلكل حكمه ( وتخليل اللحية عند غسلها ) لحديث عثمان السابق ( وإن شاء إذا مسح رأسه نصا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية