صفحة جزء
[ ص: 35 ] مسألة : ووقت ذبح الأضحية أو نحرها هو أن يمهل حتى تطلع الشمس من يوم النحر ، ثم تبيض وترتفع ، ويمهل حتى يمضي مقدار ما يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد ثمان تكبيرات " أم القرآن " وسورة " ق " وفي الثانية بعد ست تكبيرات " أم القرآن " وسورة : " اقتربت الساعة وانشق القمر " بترتيل ويتم فيهما الركوع والسجود ، ويجلس ، ويتشهد ، ويسلم .

ثم يذبح أضحيته أو ينحرها - البادي ، والحاضر ، وأهل القرى ، والصحاري ، والمدن سواء في كل ذلك ; فمن ذبح ، أو نحر قبل ما ذكرنا ففرض عليه أن يضحي ولا بد بعد دخول الوقت المذكور ، ولا معنى لمراعاة صلاة الإمام ، ولا لمراعاة تضحيته .

برهان ذلك - : ما ذكرنا في أول الباب الذي قبل هذا من قوله عليه السلام : " { أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ، ثم نرجع فننحر } .

ومن طريق شعبة عن سلمة هو ابن كهيل - عن أبي جحيفة عن البراء بن عازب قال : { ذبح أبو بردة قبل الصلاة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أبدلها } .

ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ، ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحا } .

ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن الأسود بن قيس قال : سمعت جندبا يقول : { مر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر على قوم قد نحروا وذبحوا فقال : من نحر وذبح قبل صلاتنا فليعد ، ومن لم يذبح أو ينحر فليذبح ولينحر باسم الله } .

ومن طريق مسلم نا محمد بن حاتم نا محمد بن بكر نا ابن جريج أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم } . [ ص: 36 ]

فالوقت الذي حددنا هو وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، إلا أن الشافعي لم يجز التضحية قبل تمام الخطبة - ولا معنى لهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد وقت الأضحية بذلك .

وقال سفيان : إن ضحى قبل الخطبة أجزأه .

وقال أبو حنيفة : أما أهل المدن والأمصار فمن ضحى منهم قبل تمام صلاة الإمام فعليه أن يعيد ولم يضح ، وأما أهل القرى والبوادي فإن ضحوا بعد طلوع الفجر من يوم الأضحى أجزأهم .

وقال مالك : من ضحى قبل أن يضحي الإمام فلم يضح ; ثم اختلف أصحابه فطائفة قالت : الإمام هو أمير المؤمنين ; وطائفة قالت : بل هو أمير البلدة ، وطائفة قالت : بل هو الذي يصلي بالناس صلاة العيد .

قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة فخلاف مجرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما أوردنا بلا برهان .

وأما قول مالك فلا حجة له أصلا ، وخلاف للخبر أيضا إذ لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم قط بمراعاة تضحية غيره .

ونقول للطائفتين معا : أرأيتم إن ضيع الإمام صلاة الأضحى ولم يضح أتبطل سنة الله تعالى في الأضاحي على الناس ؟ حاشا لله من هذا ، بل هو الحق أن الإمام إن صلى في الوقت الذي كان يصلي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أحسن وهو أحد المسلمين في وقت تضحيته ، وإن أغفل ذلك فقد أخطأ وليس ذلك بكادح في عدالته ، لأنه لم يعطل فرضا ، وليس ذلك بمحيل شيئا من حكم الناس في أضاحيهم .

ونقول للمالكيين أيضا : أرأيتم إن ضحى الإمام قبل وقت صلاة الأضحى أيكون ذلك علما لأضاحي الناس ؟ فإن قالوا : نعم ، أتوا بعظيمة وإن قالوا : لا ، صدقوا ، وتركوا قولهم في مراعاة تضحية الإمام - وبالله تعالى التوفيق .

وقد روينا مثل قول أبي حنيفة في الفرق بين أهل القرى وأهل المدن عن عطاء ، [ ص: 37 ] وإبراهيم ، وما نعرف قول مالك في مراعاة تضحية الإمام عن أحد قبله - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية