صفحة جزء
1253 - مسألة :

ويقسم كل شيء سواء أرضا كان ، أو دارا صغيرة ، أو كبيرة ، أو حماما ، أو ثوبا ، أو سيفا ، أو لؤلؤة ، أو غير ذلك ، إذا لم يكن بينهما مال مشترك سواه حاشا الرأس الواحد من الحيوان ، والمصحف فلا يقسم أصلا ، لكن يكون بينهم يؤاجرونه ويقتسمون أجرته ، أو يخدمهم أياما معلومة .

برهان ذلك - : قول الله تعالى : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } إلى قوله تعالى : { مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا } .

وقال قوم : إن لم ينتفع واحد من الشركاء بما يقع له وانتفع سائرهم : لم يقسم - وقال آخرون : إن انتفع بما يقع له واحد منهم أجبروا على القسمة وإن لم ينتفع الآخرون - وقال قوم : إن استضر أحدهم بالقسمة في انحطاط قيمة نصيبه لم يقسم .

قال أبو محمد : وهذه أقوال فاسدة متناقضة ، لا يدل على صحة شيء منها قرآن ، ولا سنة ، ولا قياس ، ولا رأي سديد - : أما من منع من القسمة إن كان فيهم واحد لا ينتفع بما يقع له فقد عجل الضرر لغيره منهم بمنعه من أخذ حقه والتصرف فيه بما يشاء ، فما الذي جعل ضرر زيد مباحا خوف أن يستضر عمرو ؟ وكذلك يقال لمن راعى انحطاط قيمة حصة أحدهم بالقسمة . [ ص: 424 ] وأما تناقضهم فإنهم لا يختلفون في قسمة الأرض الواسعة - وإن انحطت قيمة بعض الحصص انحطاطا ظاهرا - فظهر تناقضهم .

وفي المسألة التي قبل هذه زيادة في بيان فساد أقوالهم غنينا عن تكرارهما ولا فرق بين قسمة السيف ، واللؤلؤة ، والثوب ، والسفينة ، وبين قسمة الدار ، والحمام ، والأرض ، وقد ينتفع المرء بكل ما يقع له من ذلك ، وقد ينحط النصيب من الأرض ، والدار ، من قيمته المئين من الدنانير أضعاف ما ينحط النصيب من السيف ، والثوب ، واللؤلؤة .

ومالك ، والشافعي : يبيحان قسمة الحمام إذا دعا إلى ذلك أحدهما وإن لم ينتفع شريكه بما يقع له من ذلك - وأبو حنيفة : يرى ذلك إذا اتفقا عليه .

وقد يسقط في هذا من القيمة ، ويبطل من المنفعة ما لا يسقط من اللؤلؤة إذا قسمت ، والسيف إذا قسم ، ولا سبيل إلى وجود قول صاحب بخلاف هذا ، فكيف دعوى الإجماع بالباطل ؟ فظهر فساد نظرهم وبطل احتياطهم بإباحتهم في موضع ما منعوا منه في آخر .

وأما الرأس الواحد من الحيوان : فإن كان إنسانا فتفصيل أعضائه حرام ، وإن كان مما لا يؤكل لحمه كالحمار ، والكلب ، والسنور ، فقتله حرام ، وذبحه لا يكون ذكاة ، فهو إضاعة للمال ، ومعصية مجردة ، وإن كان مما يؤكل لحمه لم يحل ذبحه بغير إذن كل من له فيه ملك ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلا يحل لأحد ذبح حصة شريكه بغير إذنه إلا أن يرى به موت فيبادر بذبحه ، لأن تركه ميتة إضاعة للمال ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال .

وأما المصحف : فلا يحل تقطيعه ولا تفريق أوراقه ، لأن رتبة كتاب الله منزلة من عنده فلا تحال - وقد روينا عن مجاهد : لا يقسم المصحف .

واحتج المانعون من هذا بخبر فيه { لا تعضية على أهل الميراث إلا فيما احتمل القسم } وهذا خبر مرسل رويناه من طريق ابن وهب عن ابن جريج عن صديق بن موسى [ ص: 425 ] عن محمد بن أبي بكر بن محمد عمرو بن حزم عن أبيه .

ثم لو صح لكان حجة لنا لأن " التعضية " مأخوذة من قسمة الأعضاء وإنما الأعضاء للحيوان فقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية