صفحة جزء
1791 - مسألة : ولا يجوز أن يقبل كافر أصلا ، لا على كافر ، ولا على مسلم حاش الوصية في السفر فقط ، فإنه يقبل في ذلك مسلمان ، أو كافران - من أي دين كانا - أو كافر وكافرتان ، أو أربع كوافر .

ويحلف الكفار هاهنا مع شهادتهم ولا بد بعد الصلاة - أي صلاة كانت ولو أنها [ ص: 492 ] العصر - لكان أحب إلينا { بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين } ثم يحكم بما شهدوا به ، فإن جاءت بينة مسلمون : بأن الكفار كذبوا : حلف المسلمان الشاهدان ، أو المسلم والمرأتان ، أو الأربع نسوة { بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين } ثم يفسخ ما شهد به الكفار .

برهان ذلك - : قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } والكافر فاسق فوجب أن لا يقبل - .

وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض } الآية فوجب أخذ حكم الله تعالى كله ، وأن يستثني الأخص من الأعم ، ليتوصل بذلك إلى طاعة الجميع ، ومن تعدى هذا الطريق فقد خالف بعض أوامر الله تعالى : وهذا لا يحل - : روينا من طريق محمد بن إسحاق عن أبي النضر عن زاذان مولى أم هانئ عن ابن عباس { عن تميم الداري في قول الله عز وجل { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } الآية ، قال : برئ الناس منها غيري ، وغير عدي بن بداء ، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام ، فأتيا إلى الشام ، وقدم عليهما بديل بن أبي مريم مولى بني سهم ، ومعه جام من فضة يريد به الملك هو عظم تجارته ، فمرض ; فأوصى إليها ، قال تميم : فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء ، فلما قدمنا دفعناه إلى أهله ، فسألوا عن الجام ؟ فقلنا : ما دفع إلينا غير هذا ، فلما أسلمت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك ، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر ، وأديت إليهم خمسمائة درهم ، وأخبرتهم : أن عند صاحبي مثلها ، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة ؟ فلم يجدوا ، فأحلفه بما يعظم به على أهل دينه فحلف فأنزل الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } الآية ، فحلف عمرو بن العاص وواحد منهم ، فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء } .

ومن طريق يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال : { كان تميم الداري ، وعدي بن بداء : يختلفان إلى مكة [ ص: 493 ] للتجارة فخرج معهم رجل من بني سهم ، فتوفي بأرض ليس فيها مسلم ، فأوصى إليهما ، فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جاما من فضة ، مخوصا بالذهب ، ففقده أولياؤه ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كتمنا ، ولا اطلعنا ، ثم عرف الجام بمكة ، فقالوا : اشتريناه من تميم ، وعدي ، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله إن هذا لجام السهمي ، { لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين } فأخذا الجام ، وفيهم نزلت هذه الآية } .

وبقولنا يقول جهور السلف - : روينا من طريق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : أن آخر سورة نزلت سورة المائدة ، فما وجدتم فيها حلالا فحللوه ، وما وجدتم فيها حراما فحرموه ، وهذه الآية في المائدة - فبطل أنها منسوخة وصح أنها محكمة .

ومن طريق ابن عباس أنه قال في هذه الآية : هذا لمن مات وعنده المسلمون فأمره الله عز وجل أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين ، ثم قال عز وجل : { أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض } فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين ، فأمره الله تعالى أن يشهد على وصيته رجلين من غير المسلمين ، فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله لا نشتري بشهادتنا ثمنا قليلا فإذا اطلع الأوليان على الكافرين كذبا حلفا : بالله إن شهادة الكافرين باطل ، وإنا لم نغدر .

ومن طريق ابن عباس أيضا : في قوله تعالى : { أو آخران من غيركم } قال : من غير المسلمين من أهل الكتاب .

وروينا من طريق سعيد بن منصور ، وزياد بن أيوب ، قالا جميعا : نا هشيم نا زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي : أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة " بدقوقا " فلم يجد أحدا من المسلمين يشهد على وصيته ، فأشهد رجلين من أهل الكتاب ، فأتيا أبا موسى الأشعري فأخبراه وقدما بتركته ووصيته فقال أبو موسى : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأحلفهما بعد العصر " بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ، ولا غيبا ، وأنها لوصية الرجل وتركته " فأمضى أبو موسى شهادتهما .

ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن [ ص: 494 ] أبي ميسرة هو عمرو بن شرحبيل - قال : لم ينسخ من سورة المائدة - شيء .

ومن طريق وكيع عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب في قول الله عز وجل { أو آخران من غيركم } قال : من أهل الكتاب .

ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا سليمان التيمي عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى : { أو آخران من غيركم } قال : من غير أهل ملتكم .

ومن طريق وكيع عن عبد الله بن عون عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني في قول الله تعالى : { أو آخران من غيركم } قال : من غير أهل الملة .

ومن طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن شريح قال : لا تجوز شهادة المشركين على المسلمين إلا في وصية ، ولا تجوز في وصية إلا أن يكون مسافرا .

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن شريح قال : لا تجوز شهادة اليهودي والنصراني ، إلا في السفر ، ولا تجوز في السفر إلا في الوصية .

ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله الطحان عن داود الطائي عن الشعبي عن شريح قال : إذا مات الرجل في أرض غربة ، ولم يجد مسلما فأشهد من غير المسلمين شاهدين ، فشهادتهما جائزة ، فإن جاء مسلمان فشهدا بخلاف ذلك أخذ بشهادة المسلمين وتركت شهادتهما .

ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا المغيرة عن إبراهيم النخعي في قول الله تعالى : { أو آخران من غيركم } قال : من غير أهل ملتكم .

ومن طريق شعبة نا أبو بشر - هو جعفر بن أبي وحشية - عن سعيد بن جبير قال : { أو آخران من غيركم } قال : إذا كان بأرض الشرك فأوصى إلى رجل من أهل الكتاب فإنهما يحلفان بعد العصر ، فإن اطلع بعد حلفهما على أنهما خانا حلف أولياء الميت أنه كان كذا وكذا واستحقوا . [ ص: 495 ]

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي قال : نا محمد بن أبي بكر المقدمي نا عمر بن علي المقدمي عن الأشعث عن الشعبي : { أو آخران من غيركم } قال : من اليهود والنصارى .

ومن طريق إسماعيل أيضا نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : { اثنان ذوا عدل منكم } من أهل الملة : { أو آخران من غيركم } قال : من غير أهل الملة .

ومن طريق إسماعيل نا محمود بن خداش نا هشيم نا سليمان التيمي عن أبي مجلز في قول الله تعالى : { أو آخران من غيركم } قال : من غير أهل الملة .

ومن طريق إسماعيل نا إبراهيم بن الحجاج نا عبد الوارث بن سعيد نا إسحاق بن سويد عن يحيى بن يعمر في قول الله تعالى : { أو آخران من غيركم } قال : من غير أهل الملة .

ومن طريق الطحاوي نا محمد بن خزيمة نا حجاج بن المنهال ، وعثمان بن الهيثم قال الحجاج : نا أبو هلال الراسبي ، وقال عثمان : نا عوف بن أبي جميلة ، كلاهما عن محمد بن سيرين في قوله تعالى : { أو آخران من غيركم } قال : من غير المسلمين .

فهؤلاء : أم المؤمنين ، وأبو موسى الأشعري ، وابن عباس - وروي أيضا نحو ذلك عن علي - رضي الله عنهم - ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم .

ومن التابعين عمرو بن شرحبيل ، وشريح ، وعبيدة السلماني ، وإبراهيم النخعي ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وأبو مجلز ، وابن سيرين ، ويحيى بن يعمر ، وغيرهم ، كابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، ويحيى بن حمزة ، والأوزاعي ، وأبي عبيد ، وأحمد بن حنبل ، وجمهور أصحاب الحديث .

وبه يقول أبو سليمان وجميع أصحابنا ، وخالفهم آخرون فروينا عن الحسن أنه قال ، { أو آخران من غيركم } من غير قبيلتكم . [ ص: 496 ]

وروي عن الزهري نحو هذا ، وأنه قال : من أهل الميراث ، وأنه توقف في ذلك - وروي أيضا : عن عكرمة .

وروينا عن زيد بن أسلم أنها منسوخة - وعن إبراهيم أيضا مثل ذلك .

قال أبو محمد : أما دعوى النسخ فباطل ، لا يحل أن يقال في آية إنها منسوخة لا تحل طاعتها والعمل بها إلا بنص صحيح ، أو ضرورة مانعة ، وليس هاهنا شيء من ذلك ، ولو جاز مثل هذا لما عجز أحد عن أن يدعي فيما شاء من القرآن أنه منسوخ ، وهذا لا يحل .

وأما من قال : من غير قبيلتكم فقول ظاهر الفساد ، والبطلان ، لأنه ليس في أول الآية خطاب لقبيلة دون قبيلة إنما أولها : { يا أيها الذين آمنوا } ولا يشك منصف في أن غير الذين آمنوا هم الذين لم يؤمنوا ، ولكنها من الحسن زلة عالم لم يتدبرها .

وقال المخالفون : نحن نهينا عن قبول شهادة الفاسق ، والكافر أفسق الفساق ؟ فقلنا : الذي نهانا عن قبول شهادة الفاسق هو الذي أمرنا بقبول شهادة الكافر في الوصية في السفر فنقف عند أمريه جميعا ، وليس أحدهما بأولى بالطاعة من الآخر .

ومن عجائب الدنيا التي لا نظير لها : أن المحتجين بهذا هم الحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون .

فأما الحنفيون : فأجازوا شهادة الكفار في كل شيء بعضهم على بعض بغير أمر من الله تعالى بذلك ، بل خالفوا القرآن في نهيه عن قبول نبأ الفاسق ثم خالفوه في قبول الكفار في السفر ؟ فاعجبوا لهذه الفضائح ، والمضادة لله تعالى .

وأما المالكيون : فأجازوا شهادة طبيبين كافرين حيث لا يوجد طبيب مسلم بغير أمر من الله تعالى بذلك ، بل خالفوا القرآن في كلا الوجهين ، كما ذكرنا .

وقال بعضهم : الوصية يكون فيها إقرار بدين فلما نسخ ذلك من الآية دل على نسخ سائر ذلك ؟ فقلنا : كذبتم ما سمى الله تعالى - قط - الإقرار بالدين وصية ; لأن الوصية من [ ص: 497 ] الثلث ، والإقرار بالدين من رأس المال ، وما دخل - قط - الإقرار بالدين في الوصية ، ولا نسخ من الآية شيء - ثم لهم بعد هذا أهذار يشبه تخليط المبرسمين لا معنى لها ، وهذا مما خالفوا فيه جمهور العلماء والصحابة ، ولا مخالف لهم من الصحابة ، وهم يعظمون ذلك إذا وافق أهواءهم .

وذكروا خبرا : رويناه من طريق عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تجوز شهادة ملة على ملة إلا ملة محمد فإنها تجوز على غيرهم } .

قال أبو محمد : عمر بن راشد ساقط ، وهذا خبر أول من خالفه أبو حنيفة لأنه يجيز شهادة اليهودي على النصراني ومالك ، فإنه يجيز شهادة الكفار الأطباء على المسلمين - ولا ندري من أين وقع لهم هذا التخصيص للأطباء دون سائر من يضطر إليه من الشهادات من النكاح ، والطلاق ، والدماء [ والحدود ] والأموال ، والعتق ؟ وما نعلم هذا التفريق عن أحد قبله .

وأما شهادة الكفار في غير ذلك ، فطائفة : منعت من ذلك جملة - وهو قولنا .

وطائفة أجازتها على الكفار ، ولم يراعوا اختلاف مللهم .

وطائفة أجازت شهادة كل ملة على مثلها ولم تجزها على غير مثلها .

فأما قولنا فقد ذكرناه عن جماعة من السلف .

وأما القول الثاني : فصح من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن عمرو بن ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز : أنه أجاز شهادة نصراني على مجوسي ، أو مجوسي على نصراني .

وصح من طريق شعبة عن حماد بن أبي سليمان أنه قال : تجوز شهادة النصراني على اليهودي ، واليهودي على النصراني - هم كلهم أهل الشرك .

وصح أيضا هذا عن الشعبي ، وشريح ، وإبراهيم النخعي .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا زيد بن الحباب عن عون بن معمر عن إبراهيم الصائغ [ ص: 498 ] قال : سألت نافعا هو مولى بن عمر - عن شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض ؟ فقال : تجوز .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال : سألت الزهري عن شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض ؟ فقال : تجوز ، وهو قول سفيان الثوري ، ووكيع ، وأبي حنيفة ، وأصحابه ، وعثمان البتي .

والثالث : كما روينا من طريق أبي عبيد عن أبي الأسود عن ابن لهيعة عن عمرو بن الحارث عن قتادة : أن علي بن أبي طالب قال : تجوز شهادة النصراني على النصراني .

ومن طريق أبي عبيد عن عبد الله بن صالح عن الليث عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري قال : تجوز شهادة النصراني على النصراني ، واليهودي على اليهودي ، ولا تجوز شهادة أحدهما على الآخر .

ومن طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح : أنه سمع يحيى بن سعيد الأنصاري يقول : لا تجوز شهادة النصراني على اليهودي ، ولا شهادة اليهودي على النصراني .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن كلاهما قال : تجوز شهادة اليهودي على اليهودي ، ولا تجوز على النصراني ، ولا تجوز شهادة النصراني على اليهودي .

ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة : لا تجوز شهادة اليهودي على النصراني ، ولا النصراني على اليهودي .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن يونس عن الحسن قال : إذا اختلفت الملل لم تجز شهادة بعضهم على بعض .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن إدريس عن الليث عن عطاء قال : لا تجوز شهادة اليهودي على النصراني ، ولا النصراني على المجوسي ، ولا ملة على غير ملتها إلا المسلمين . [ ص: 499 ]

ومن طريق وكيع عن سفيان عن داود عن الشعبي لا تجوز شهادة ملة على ملة إلا المسلمين .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن معمر عن الزهري قال : لا تجوز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص عن أشعث نا حماد عن إبراهيم النخعي قال : لا تجوز شهادة أهل ملة إلا على أهل ملتها : اليهودي على اليهودي ، والنصراني على النصراني .

ومن طريق وكيع عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : لا تجوز شهادة ملة على ملة إلا المسلمين - قال وكيع : وهو قول ابن أبي ليلى .

قال أبو محمد : وهو قول الأوزاعي ، والليث ، والحسن بن حي .

قال علي : فروي كلا القولين كما أوردنا عن حماد بن أبي سليمان ، والزهري ، والشعبي ، والنخعي - وروي القول الأول : عن نافع .

وروي الثاني : عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن وربيعة الرأي ، وقتادة ، والحسن ، وعطاء .

قال أبو محمد : ولا يصح عن علي أصلا ; لأنه عن ابن لهيعة ، ثم هو أيضا منقطع - قال علي : أما قول أبي حنيفة : فلم يرو - لا صحيحا ولا سقيما - عن أحد من الصحابة ، فهو خلاف لكل ما جاء في هذه المسألة عن الصحابة .

وأما مالك : فخالف شيوخه المدنيين : أبا سلمة بن عبد الرحمن ، ونافعا ، والزهري ; وربيعة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري - وهم يعظمون هذا إذا وافق رأي صاحبهم .

واحتج من أجاز قبول شهادة بعضهم على بعض بما رويناه من طريق الطحاوي : نا روح بن الفرج نا يحيى بن سليمان الجعفي نا عبد الرحيم بن سليمان الرازي نا [ ص: 500 ]

مجالد عن الشعبي عن جابر قال في حديث { اليهوديين اللذين زنيا لليهود : ائتوني بالشهود ؟ فشهد أربعة منهم على ذلك ، فرجمهما النبي صلى الله عليه وسلم } .

قال أبو محمد : مجالد هالك ; روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان أنه قال : لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله لفعل .

وعن شعبة : أستخير الله وأدمر على مجالد .

وعن أحمد بن حنبل : إن مجالدا يزيد في الإسناد .

وعن ابن معين : مجالد لا يحتج بحديثه .

والعجب كله من احتجاجهم بقول الله تعالى : { إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية } وهم أول مخالف لهذه الآية - وقالوا ظاهرها جوازها على المسلمين والكفار في كل شيء ، ثم نسخت عن المسلمين ، فبقيت على الكفار .

قال أبو محمد : وهذا تجليح منهم بالكذب على الله تعالى جهارا مرارا . إحداها - دعوى النسخ بلا برهان . والثانية - قولهم : إن ظاهرها جواز شهادتهم في كل شيء ، وليس في الآية إلا عند حضور الموت حين الوصية فقط ، ثم تحليفهما ، ثم تحليف المسلمين الشاهدين بخلاف شهادتهما ، فما رأيت أقل حياء ممن قال ما ذكرنا - ونعوذ بالله من الخذلان والاستخفاف بالكذب على القرآن .

والثالثة - قولهم : نسخت عن المسلمين وبقيت على الكفار - وهذا باطل لأن الدين كله واحد علينا وعلى الكفار ، ولا يحل لأحد أن يحكم عليهم ولا لهم ، إلا بحكم الإسلام لنا وعلينا ، إلا حيث جاء النص بالفرق بيننا وبينهم - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية