صفحة جزء
1914 - مسألة : وإذا رأت الحائض الطهر فإن غسلت فرجها فقط ، أو توضأت فقط ، أو اغتسلت كلها ، فأي ذلك فعلت حل وطؤها لزوجها ، إلا أنها لا تصلي حتى تغتسل كلها بالماء وقد اختلف الناس في هذا - : فقالت طائفة : لا يحل له وطؤها إلا حتى تغسل جميع جسدها - روينا ذلك عن مجاهد ، وإبراهيم النخعي ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ومكحول ، والحسن ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، وربيعة .

ورويناه عن عطاء ، وميمون بن مهران - وهو قول مالك ، والشافعي ، وأصحابهما وذهب أبو حنيفة ، وأصحابه ، إلى أن الحائض إن كانت أيامها عشرة ، فإنها بانقضاء العشرة يحل لزوجها وطؤها - وإن لم تغسل فرجها ولا توضأت ولا اغتسلت - فإن كانت أيامها أقل من عشرة ، فإنها إذا رأت الطهر لم يحل لزوجها وطؤها إلا بأحد وجهين - : إما أن تغتسل كلها ، وإما أن يمضي عليها وقت صلاة فإن مضى لها وقت صلاة حل له وطؤها - وإن لم تغتسل ولا غسلت فرجها ولا توضأت -

قال أبو محمد : لا قول أسقط من هذا ، لأنه تحكم بالباطل بلا دليل أصلا ، ولا نعلم أحدا قال قبل أبي حنيفة ولا بعده ، إلا من قلده .

وذهب قوم إلى مثل قولنا - : كما روينا من طريق عبد الرزاق رنا ابن جريج ، [ ص: 239 ] ومعمر قال ابن جريج عن عطاء وقال معمر عن قتادة ، ثم اتفق عطاء ، وقتادة ، فقالا جميعا في الحائض إذا رأت الطهر فإنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها .

وروينا عن عطاء أنها إذا رأت الطهر فتوضأت حل وطؤها لزوجها - وهو قول أبي سليمان ، وجميع أصحابنا .

قال أبو محمد : ربما يموه مموه بالخبر الذي رويناه من طريق عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم { وإن أتاها - يعني الحائض - وقد أدبر الدم عنها ولم يغتسل فنصف دينار } ؟ فقد قلنا : إن مقسما ضعيف ولم يلق عبد الكريم مقسما ، فهو لا شيء ، ولا سيما والمالكيون ، والشافعيون لا يقولون بهذا الخبر .

ومن الباطل أن يحتج المرء بخبر هو أول مبطل له ، ولعلهم أن يقولوا : لا يجوز له وطؤها إلا أن تجوز لها الصلاة .

قال أبو محمد : وهذا خطأ ، لأن الوطء ليس معلقا بالصلاة ، فقد تكون المرأة جنبا فيحل وطؤها ، ولا تحل لها الصلاة ، وتكون معتكفة ، ومحرمة وصائمة فتصلي ولا يحل وطؤها .

قال أبو محمد : فإذ لا بيان في شيء من هذا إلا في الآية ، فالواجب الرجوع إليها قال الله تعالى : { ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } فوجدناه عز وجل لم يبح وطء الحائض إلا بوجهين اثنين - : وهي أن تطهر ، وأن تطهر ، لأن الضمير الذي في " تطهرن " راجع بلا خلاف من أحد ممن يحسن العربية إلى الضمير الذي في " يطهرن " والضمير الذي في " يطهرن " راجع إلى الحيض ، فكان معنى " يطهرن " هو انقطاع الحيض وظهور الطهر ، لأنه لم يضف الفعل إليهن ، وكان معنى " يطهرن " فعلا يفعلنه ، لأنه رد الفعل إليهن ، فوجب حمل الآية على مقتضاها وعمومها ، لا يجوز غير ذلك ، ولا يجوز تخصيصها ، ولا الاختصار على بعض ما يقع عليه لفظها دون كل ما يقع عليه بالدعوى الكاذبة ، فيكون إخبارا عن مراد الله تعالى بما [ ص: 240 ] لم يخبر به عز وجل عن مراده ، وهذا حرام - ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل أنه تعالى لو أراد بعض ما يقع عليه اسم " تطهرن " دون سائر ما يقع عليه لأخبرنا به ، ولبينه علينا ، ولما وكلنا إلى التكهن والظنون .

وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } فقد فصل لنا عز وجل ما حرم علينا من وطء الحائض وأنه حرام ما لم يطهرن فيطهرن .

فصح أن كل ما يقع عليه اسم " الطهر " بعد أن " يطهرن " فقد حللن به ، والوضوء تطهر بلا خلاف ، وغسل الفرج بالماء تطهر كذلك ، وغسل جميع الجسد تطهر ، فبأي هذه الوجوه تطهرت التي رأت الطهر من الحيض فقد حل به لنا إتيانها - وبالله تعالى التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية