صفحة جزء
[ ص: 291 ] الطلاق 1933 - مسألة ومن خير امرأته فاختارت نفسها ، أو اختارت الطلاق ، أو اختارت زوجها ، أو لم تختر شيئا ، فكل ذلك لا شيء ، وكل ذلك سواء ، ولا تطلق بذلك ، ولا تحرم عليه ، ولا لشيء من ذلك حكم ، ولو كرر التخيير وكررت هي اختيار نفسها ، أو اختيار الطلاق ألف مرة .

وكذلك إن ملكها أمر نفسها ، أو جعل أمرها بيدها ولا فرق .

فصح عن عمر بن الخطاب ، وابن مسعود فيمن جعل أمر امرأته بيدها فطلقت نفسها ثلاثا ، أو طلقته ثلاثا : أنها طلقة واحدة رجعية .

وصح أيضا - عن زيد بن ثابت ، وعن مجاهد ، وعمر بن عبد العزيز .

وقول آخر - وهو أن القضاء ما قضت : صح ذلك عن عثمان بن عفان .

ومن طريق سعيد بن منصور عن ابن عمر - ومن طريق غيره عن عبد الله بن الزبير .

وروي عن علي ، وابن عمر منقطعا عنهما - وصح عن عبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة ، وعمر بن عبد العزيز ، وسعيد بن المسيب .

وصح عن أم سلمة ، وعائشة : أمي المؤمنين ، وقريبة - أخت أم سلمة - وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق : إن جعل أمرها بيدها فردته إلى زوجها فهي امرأته كما كانت .

وقول ثالث - إن اختارت الفراق أو نفسها : فهي واحدة بائنة ، وإن ردته إلى زوجها [ ص: 292 ] فاختارته ، فهي طلقة رجعية - صح عن علي ، وزيد بن ثابت ، ورجال من الصحابة ، وعن الحسن البصري .

وقول رابع - أن القضاء ما قضت ، وله أن يناكرها ، فيحلف ويقضى له بما حلف أنه نواه ، وتكون طلقة رجعية : روي عن عمر بن الخطاب - ولم يصح - وصح عن ابن عمر ، وصح عن القاسم بن محمد ، ومروان .

وقول خامس - وهو ثلاث بكل حال - صح عن الحسن ، وعن رجال من الصحابة رضي الله عنهم - وفيه أثر مسند .

وقول سادس - من جعل أمر امرأته بيد آخر فطلقها فليس بشيء ، روي عن ابن مسعود .

وقول سابع - من قال لامرأته : أمرك بيدك ؟ فقال : قد حرمت عليك ، قد حرمت عليك : فهي واحدة - رويناه من طريق سعيد بن منصور عن القاسم بن محمد - وليس يصح عنه .

وروينا من طريق ابن أبي ليلى عن الشعبي : أن أمرك بيدك ، واختاري نفسك سواء ، في قول زيد ، وابن مسعود ، وعلي - وصح عن الشعبي : أنه قوله ، وعن النخعي .

وأما المتأخرون - فإن أبا حنيفة قال : أمرك بيدك ، والتمليك ، والتخيير سواء ، فإذا ملكها أمرها ، أو قال : اختاري ، أو قال : أمرك بيدك ، ثم قال : لم أنو طلاقا ; فإن كان في غضب فيه ذكر طلاق ، أو ليس فيه ذكر طلاق : لم يصدق ، وإن كان في رضا لم يلزمه شيء مما تقضي به هي ، فإن كان في غضب فردت إليه أمرها فلا شيء وهي امرأته - فلو كان في غضب فطلقت نفسها لم يلتفت لما قالت ، لكن هو يسأل عن نيته ؟ فإن قال : نويت الثلاث ، فهي طالق ثلاثا ، إلا في اختاري ، فإنها لا تكون إلا واحدة بائنة - سواء نوى ذلك أو أقل - أو نوى طلاقا رجعيا أو لم ينوه - وإن قال : نويت اثنتين ، أو قال : نويت الطلاق بلا عدد ، أو قال : نويت واحدة بائنة ، أو قال : نويت واحدة رجعية ، أو قال : لم أنو طلاقا أصلا فكل هذا سواء ، ولا يلزمه في كل ذلك إلا واحدة بائنة ولا بد ؟ فاعلموا أن كل ما موه به عن الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - فباطل ، وأنه [ ص: 293 ] في قوله هذا لم يوافق أحدا منهم وهو قول ما سبق إليه ، ولم يعرف عن أحد قبله ، ولا دليل له على شيء منه ، لا من نص ، ولا من قياس ، ولا من قول يعقل .

وأما مالك فقال : أمرك بيدك والتمليك سواء .

قال : ومن قال : لامرأته أمرك بيدك فقالت : قد قبلت ; فقد طلقت ، إلا أن تقول هي : لم أرد طلاقا - قال : فلو جعل أمر امرأته بيد امرأة له أخرى فطلقتها ثلاثا ، فهي طالق ثلاثا ، وله أن يناكرها فيقول : لم أرد إلا واحدة ، أو يقول : لم أرد إلا اثنتين ، فالقول قوله مع يمينه ، وتكون واحدة بائنة .

قال : فلو قال لامرأته : قد وليتك أمرك إن شاء الله ؟ فقالت هي : قد فارقتك إن شاء الله ، فهو طلاق - فلو قال لها : ما كنت إلا لاعبا ، أو قالت هي : ما كنت إلا لاعبة ما أردنا طلاقا ، فالقول قول الرجل مع يمينه .

قال : فلو قال لها : أمرك بيدك فأخذت شقة ومضت إلى أهلها وخرج هو إلى سفر ولم يكن غير هذا ، قالوا : قد طلقت .

فلو قال : أمرك بيدك ، أو ملكها ؟ فطلقت نفسها واحدة ، فقال هو : لم أنو إلا ثلاثا ، لم يلزمه إلا واحدة ؟

فاعلموا أن هذا القول أيضا غير موافق لقول أحد من الصحابة ، ولا من التابعين إلا رواية عن عمر لم تصح : رويناها من طريق عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن عبد الكريم أبي أمية أن رجلا جعل أمر امرأته بيدها في زمان عمر بن الخطاب فطلقت نفسها ثلاثا ، فقال هو : والله ما جعلت أمرها إلا واحدة ؟ فترافعا إلى عمر ، فاستحلفه عمر " بالله الذي لا إله إلا هو ما جعلت أمرها بيدها إلا واحدة فحلف فردها عمر عليه .

محمد بن راشد متكلم فيه ، وعبد الكريم أبو أمية غير ثقة ولم يدرك عمر - والصحيح عن عمر خلاف ذلك كما ذكرنا من أقواله والأسانيد في ذلك قد ذكرناها في " كتاب الإيصال " وإنما قصدنا هاهنا الاختصار - وأما سائر تقاسيمه فلا سلف له فيها . [ ص: 294 ] وأيضا - فإن هذه الرواية عن عمر خالفه فيها ، لأن عمر جعلها رجعية ، وجعلها مالك بائنة ، فخرج عن قول جميعهم .

وكذلك أيضا جعلها مروان ، والقاسم بن محمد رجعية .

وقد روينا ذلك أيضا - من طريق ثابتة عن ابن عمر - يعني المناكرة - من طريق سعيد بن منصور ، فصح أنه رأي مجرد لا دليل عليه ، لا من نص ، ولا من قول متقدم ، ولا من قياس ، ولا من رأي يعقل .

وقال سفيان الثوري ، والشافعي : هو ما نوى ، فإن قال : لم أنو طلاقا فهو كما قال - وكذلك إن ردت الأمر إليه ؟ فإن طلقت نفسها ، أو اختارت نفسها فأي شيء قالت لم يلزمه إلا طلقة واحدة رجعية فقط - وهكذا قالا في التخيير ، والتمليك .

قال أبو محمد : وكل هذه الأقاويل آراء لا دليل على صحة شيء منها - وقد تقصينا من روي عنه من الصحابة - رضي الله عنهم - أنه يقع به طلاق ، فلم يكونوا بين من صح عنه ومن لم يصح عنه إلا سبعة ، ثم قد اختلفوا كما ترى ، وليس قول بعضهم أولى من قول بعض ، ولا أثر في شيء منها إلا أثرا - : رويناه من طريق أحمد بن شعيب أرنا علي بن نصر الجهضمي نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد قال : قلت لأيوب السختياني : هل علمت أحدا قال في أمرك بيدك أنها ثلاث غير الحسن ؟ قال : لا ، اللهم غفرا إلا ما حدثني قتادة عن كثير - مولى ابن سمرة - عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { قال : ثلاث } ، قال أيوب : فلقيت كثيرا - مولى ابن سمرة - فسألته ، فلم يعرفه ، فرجعت إلى قتادة فأخبرته ، فقال : نسي .

قال أبو محمد : كثير - مولى ابن سمرة مجهول - ولو كان مشهورا بالثقة والحفظ لما خالفنا هذا الخبر ، وقد أوقفه بعض رواته على أبي هريرة . والذي نقول به هو قول أبي سليمان وأصحابنا ، فهو - : ما رويناه من طريق أبي عبيد نا أبو بكر بن عياش نا حبيب بن أبي ثابت " أن رجلا قال لامرأة له : إن أدخلت هذا العدل البيت فأمر صاحبتك بيدك ، فأدخلته ، ثم قالت : هي طالق ، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأبانها منه ، فمروا بعبد الله بن مسعود فأخبروه ؟ فذهب بهم إلى عمر فقال : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء ، ولم يجعل النساء [ ص: 295 ] قوامات على الرجال ؟ فقال عمر : فما ترى ؟ قال : أراها امرأته ، قال عمر : وأنا أرى ذلك ، فجعلها واحدة " .

قال أبو محمد : قد يمكن أن يكون عمر أمضى حكمه وإلا فقد رجع إلى قول ابن مسعود في أن لا ينفذ طلاق من جعل الزوج أمر امرأته بيده .

التالي السابق


الخدمات العلمية