صفحة جزء
المال المستفاد 685 - مسألة : قال أبو محمد : صح عن ابن عباس إيجاب الزكاة في كل مال يزكى حين يملكه المسلم ؟ وصح عن ابن عمر : لا زكاة فيه حتى يتم حولا ؟ وقال أبو حنيفة : لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا إلا إن كان عنده مال يجب في عدد ما عنده منه الزكاة في أول الحول - : فإنه إن اكتسب بعد ذلك - لو قبل تمام الحول بساعة شيئا - قل أو كثر - من جنس ما عنده : فإنه يزكي المكتسب مع الأصل ، سواء عنده الذهب ، والفضة ، والماشية ، والأولاد ، وغيرها ؟ وقال مالك : لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا ، وسواء كان عنده ما فيه [ ص: 196 ] الزكاة من جنسه أو لم يكن ، إلا الماشية ; فإن من استفاد منها شيئا بغير ولادة منها ، فإن كان الذي عنده منها نصابا - : زكى الجميع عند تمام الحول ، وإلا فلا ، وإن كانت من ولادة زكى الجميع بحول الأمهات سواء كانت الأمهات نصابا أو لم تكن ؟ وقال الشافعي : لا يزكى مال مستفاد مع نصاب كان عند الذي استفاده من جنسه ألبتة ، إلا أولاد الماشية مع أمهاتها فقط إذا كانت الأمهات نصابا وإلا فلا ؟ قال أبو محمد : وقد ذكرنا قبل فساد هذه الأقوال كلها ; ويكفي من فسادها أنها كلها مختلفة وكلها دعاو مجردة ، وتقاسيم فاسدة متناقضة لا دليل على صحة شيء منها . لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من إجماع ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه وقال أبو حنيفة : من كان عنده مائتا درهم في أول الحول فلما كان بعد ذلك بيوم تلفت كلها أو أنفقها إلا درهما واحدا واحدا فإنه بقي عنده ; فلما كان قبل تمام الحول بساعة اكتسب مائة درهم وتسعة وتسعين درهما - : فالزكاة عليه في الجميع لحول التي تلفت ، فلو لم يبق منها ولا درهم فلا زكاة عليه فيما اكتسب ولو أنها مائة ألف درهم - حتى يتم لها حول ؟ فيا ليت شعري ما شأن هذا الدرهم ؟ وما قوله لو لم يبق منها إلا فلس ؟ وكذلك قوله فيمن عنده نصاب من ذهب ، أو من بقر ، أو من إبل ، أو من غنم ; ثم تلفت كلها إلا واحدة ; ثم اكتسب من جنسها قبل الحول ما يتم بما بقي عنده النصاب ؟ وهذا قول يغني ذكره عن تكلف الرد عليه ؟ ولئن كانت الزكاة باقية في الدرهم الباقي فإن الزكاة واجبة فيه وإن لم يكتسب غيره ; نعم ، وفيما اكتسب إليه ولو أنه درهم آخر ولئن كانت الزكاة غير باقية فيه فإن الواجب عليه استئناف الحول بما اكتسب معه ؟ وممن روي عنه تعجيل الزكاة من الفائدة : ابن مسعود ، ومعاوية ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والزهري [ ص: 197 ] وممن صح عنه : لا زكاة في مال حتى يتم له حول - : علي ، وأبو بكر الصديق ، وعائشة أم المؤمنين ، وابن عمر ، وقد ذكرناها في باب ذكرنا أولاد الماشية ؟ .

وأما تقسيم أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي فلا يحفظ عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم نعم ، ولا عن أحد من التابعين .

قال أبو محمد : كل فائدة فإنما تزكى لحولها ، لا لحول ما عنده من جنسها وإن اختلطت عليه الأحوال ؟ تفسير ذلك : لو أن امرأ ملك نصابا - وذلك مائتا درهم من الورق أو أربعين دينارا من الذهب ، أو خمسا من الإبل ، أو خمسين من البقر - ثم ملك بعد ذلك بمدة - قريبة أو بعيدة ، إلا أنها قبل تمام الحول - من جنس ما عنده أقل مما ذكرنا ، أو ملك أربعين شاة ثم ملك في الحول تمام مائة وعشرين - : فإن كان ما اكتسب لا يغير ما كان عليه من الزكاة فإنه يضم التي ملك إلى ما كان عنده ; لأنها لا تغير حكم ما كان عليه من الزكاة ، فيزكى ذلك لحول التي كانت عنده ثم يستأنف الجميع حولا ، فإن استفاد في داخل الحول ما يغير الفريضة فيما عنده ، إلا أن تلك الفائدة لو انفردت لم تجب فيها الزكاة - وليس ذلك إلا في الورق خاصة - على كل حال ، وفي سائر ذلك في بعض الأحوال - : فإنه يزكي الذي عنده وحده لتمام حوله ، وضم حينئذ الذي استفاد إليه - لا قبل ذلك - واستأنف بالجميع حولا ؟ مثل : من كان عنده مائة شاة وعشرين شاة ثم استفاد شاة فأكثر ، أو كان عنده تسع وتسعون بقرة فأفاد بقرة فأكثر ، أو كان عنده تسع من الإبل فأفاد واحدة فأكثر أو تسع وسبعون دينارا فأفاد دينارا فأكثر ، لأن الذي يبقى بعد الذي زكى لا زكاة فيه ، ولا يجوز [ ص: 198 ] أن يزكى مال مرتين في عام واحد فلو ملك نصابا - كما ذكرنا - ثم ملك في داخل الحول نصابا أيضا من الورق أو الذهب أو الماشية فإنه يزكي كل مال لحوله ; فإن رجع الأول منهما إلا ما لا زكاة فيه فإذا حال حول الفائدة زكاها ثم ضم الأول حينئذ إلى الآخر ، لأن الأول قد صار لا زكاة فيه ، ولا يجوز أن يزكيه مع ما قد زكاه من المال الثاني ، فيكون يزكي الثاني مرتين في عام ; ويستأنف بالجميع حولا ؟ فإن رجع المال الثاني إلى ما لا زكاة فيه وبقي الأول نصابا فإنه يزكيه إذا حال حوله ، ثم يضم الثاني إلى الأول حينئذ لما قد ذكرنا فيستأنف بهما حولا ؟ فلو خلطهما فلم يتميزا فإنه يزكي كل عدد منهما لحوله ، ويجعل ما أخرج من ذلك كله نقصانا من المال الثاني ; لأنه لا يوقن بالنقص إلا بعد إخراج الزكاة من الثاني ، وأما قبل ذلك فلا يقين عنده بأن أحدهما نقص ; فلا يزال كذلك حتى يرجع كلاهما إلى ما يوقن أن أحدهما قد نقص - ولا بد - عما فيه الزكاة وذلك مثل : أن يرجع الغنمان إلى أقل من عشرين ومائة ; لأنه لا يجوز أن يزكي عن هذا العدد بشاتين ، أو أنه قد رجع البقران إلى أقل من مائة ، والذهبان إلى أقل من ثمانين دينارا ، والإبلان إلى أقل من عشرة ، والفضتان إلى أقل من أربعمائة درهم ؟ فإذا رجع المالان إلى ما ذكرنا فقد يمكن أن النقص دخل في كليهما ، ويمكن أن يكون دخل في أحدهما ، إلا أنه بلا شك قد كان عنده مال تجب فيه الزكاة ; فلا تسقط عنه بالشك فإذا كان هذا : ضم المال الثاني إلى الأول فزكي الجميع لحول الأول أبدا ، حتى يرجع الكل إلى ما لا زكاة فيه فلو اقتنى خمسا من الإبل أو أكثر - إلا أنه عدد يزكى بالغنم - ثم اقتنى في داخل الحول عددا يزكى وحده لو انفرد - إما بالغنم ، وإما بالإبل - فإنه يزكي ما كان عنده عند تمام حوله بالغنم ; ثم ضمه إثر ذلك إلى ما استفاد ; إذ لا يجوز أن يكون إنسان واحد [ ص: 199 ] عنده إبل له قد تم لجميعها حول فيزكي بعضها بالغنم وبعضها بالإبل ; لأنه خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في زكاة الإبل فلو ملك خمسا وعشرين من الإبل ثم ملك في الحول إحدى عشرة زكى الأول لحولها بنت مخاض ; ثم ضمها إلى الفائدة من حينئذ على كل حال فزكي الجميع لحول - من حينئذ مستأنف - ببنت لبون ; لما ذكرنا من أنه لا تختلف زكاة إبل واحدة لمالك واحد . وهكذا في كل شيء ؟ فإن قيل : فإنكم تؤخرون زكاة بعضها عن بعض عن حوله شهورا ؟ قلنا : نعم : لأننا لا نقدر على غير ذلك ألبتة ، إلا بإحداث زكاتين في مال واحد ، وهذا خلاف النص ; وتأخير الزكاة إذا لم يمكن التعجيل مباح لا حرج فيه - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية