صفحة جزء
قال ( وإذا وقعت الجيفة ، أو النجاسة في الحوض فإن كان صغيرا فهو قياس الأواني والجباب يتنجس ، والأصل فيه الحديث { يغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا } ، وإن كان الحوض كبيرا فهو قياس البحر لا يتنجس ) لقوله صلى الله عليه وسلم في البحر { هو الطهور ماؤه ، والحل ميتته } .

والفصل بين الصغير ، والكبير يعرف بالخلوص فإذا كان بحال لو ألقى فيه الصبغ يظهر أثره في الجانب الآخر فهو صغير ; لأنا علمنا أن النجاسة تخلص إلى الجانب الآخر كما خلص اللون هكذا حكي عن الشيخ الإمام أبي حفص الكبير رحمه الله تعالى ، والمذهب الظاهر في تفسير الخلوص أنه إذا كان بحال لو حرك جانب منه يتحرك الجانب الآخر فهو صغير ، وإن كان لا يتحرك الجانب الآخر فهو كبير .

وصفة التحريك المروي فيه عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه اعتبر تحريك المتوضئ وأبو يوسف رحمه الله اعتبر تحريك [ ص: 71 ] المنغمس فرواية أبي حنيفة ، أوسع ، ثم قال بعض مشايخنا في الحوض الكبير أنه لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه ; لأنه كالماء الجاري ، والأصح أن الموضع الذي وقع فيه النجاسة يتنجس ، وإليه أشار في الكتاب ، وقال لا بأس بأن يتوضأ من ناحية أخرى ، ومعناه أنه يترك من موضع النجاسة قدر الحوض الصغير ، ثم يتوضأ ; لأن النجاسة لا تخلص إلى ما وراء ذلك هو مفسر في الإملاء عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - وعلى هذا قالوا : من استنجى في موضع من حوض لا يجزئه أن يتوضأ من ذلك الموضع قبل تحريك الماء .

وأما التقدير بالمساحة فقد قال أبو عصمة كان محمد رحمه الله تعالى يقدر في ذلك عشرة في عشرة ، ثم رجع إلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وقال : لا أقدر فيه شيئا ، والمشهور عن محمد رحمه الله أنه لما سئل عن هذا فقال : إن كان مثل مسجدي هذا فهو كبير فلما قام مسحوا مسجده فروي أنه كان ثمانيا في ثمان ، وروي أنه اثنا عشر في اثني عشر فكان من روى ثمانيا في ثمان مسح المسجد من داخل ، ومن روى اثني عشر مسحه من خارج ، ولا عبرة بعمق الماء حتى قالوا إذا كان بحيث لا ينحسر بالاغتراف فهذا القدر يكفي .

هذا كله في بيان مذهبنا ( وقال الشافعي ) إذا كان الماء بقدر القلتين لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه حتى يتغير أحد أوصافه ، والقلة اسم لجرة تحمل من اليمن تسع فيها قربتين وشيئا فالقلتان خمس قرب كل قربة خمسون منا فيكون جملته مائتين ، وخمسين منا .

واستدل بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا بلغ الماء قلتين لا يحمل خبثا } ( قلنا ) هذا ضعيف فقد قال الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه بلغني بإسناد لم يحضرني من ذكره { إذا بلغ الماء قلتين } الحديث ، ومثل هذا دون المرسل ، ثم قيل معناه ليس لهذا القدر من القوة ما يحتمل النجاسة فيتنجس به كما يقال : مال فلان لا يحتمل السرف لقلته .

وقد تكلم الناس في القلة فقيل إنها القامة ، وقيل إنه رأس الجبل فيكون معناه إذا بلغ ماء الوادي قامتين ، أو رأس الجبلين ، ومثل هذا يكون معناه بحرا ، وبه نقول ( وكان ) مالك رحمه الله تعالى يقول القليل ، والكثير سواء لا يتنجس إلا بتغير أحد أوصافه ، وقد بينا مذهبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية