صفحة جزء
( قال ) : رجل والى رجلا فله أن يتحول عنه ما لم يعقل عنه ولكن إنما ينتقض العقد بحضرته ; لأن العقد تم بهما ومثل هذا العقد لا يفسخه أحدهما إلا بمحضر من صاحبه كعقد الشركة والمضاربة والوكالة ; وهذا لأن تمكن كل أحد منهما من الفسخ باعتبار أن العقد غير لازم بنفسه ، لا باعتبار أنه غير منعقد بنفسه ، ففي فسخ أحدهما إلزام الآخر حكم الفسخ في عقد كان منعقدا في حقه ، فلا يكون إلا بمحضر منه لما عليه من الضرر ، ولو ثبت حكم الفسخ في حقه قبل علمه وهو نظير الخطاب بالشرعيات فإنه لا يظهر حكم الخطاب في حق المخاطب ما لم يعلم به لدفع الضرر عنه ، وكذلك لو أن الأعلى تبرأ من ولاء الأسفل صح ذلك إذا كان بمحضر منه ; لأن العقد غير لازم من الجانبين ، ولكل واحد منهما أن ينفرد بفسخه بغير رضاء صاحبه بعد أن يكون بمحضر منه ، وإن والى الأسفل رجلا آخر كان ذلك نقضا للعقد مع الأول ، وإن لم يكن بمحضر منه ; لأن انتقاض العقد في حق الأول هنا يثبت حكما لصحة العقد مع الثاني وفي العقد مع الثاني لا يشترط حضرة الأول ، فكذلك فيما يثبت حكما له بخلاف الفسخ مقصودا ، وهو نظير عزل الوكيل حال غيبته لا يصح مقصودا ويصح حكما لعتق العبد الذي وكله ببيعه . ( فإن قيل ) : فلماذا يجعل صحة العقد مع الثاني موجبا فسخ العقد الأول ولو والاهما جملة صح ؟ ( قلنا ) : لأن الولاء كالنسب ما دام ثابتا من إنسان لا يتصور ثبوته من غيره فكذلك الولاء ، فعرفنا أن من ضرورة صحة العقد مع الثاني بطلان العقد الأول ، ثم ولاء الموالاة بعد صحته معتبر بولاء العتق حتى إذا أعتق الأسفل عبدا ووالاه رجل فولاء معتقه وولاؤه للأعلى الذي هو مولاه ، ولو مات الأعلى ثم مات الأسفل فإنما يرثه الذكور من أولاد الأعلى دون الإناث على نحو ما بيناه في ولاء العتق . والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية