صفحة جزء
وإن قال : سرقت [ ص: 193 ] من فلان وفلان ثوبا وأحدهما غائب لم يكن للحاضر أن يقطعه ، ولكن يقضى له بنصف الثوب إن كان قائما وبنصف قيمته إن كان مستهلكا ; لأن التصديق من الغائب لم يعرف ، فإذا حضر ربما يكذبه فيبقى نصف الثوب على ملكه ، فلو قطعناه لقطعنا فيما هو شريك فيه ، وذلك لا يجوز ، وهذا بخلاف ما لو قال : زنيت بفلانة وفلانة فكذبته إحداهما وصدقته الأخرى يقام عليه الحد ; لأن فعله بكل واحدة منهما متميز عن فعله بالأخرى ، وهنا إنما أقر بفعل واحد في ثوب بينهما ، ولم يثبت بإقراره السرقة في نصيب الغائب قبل تصديقه فلا يمكن القضاء بالسرقة في نصيب الحاضر خاصة ; لأن فعل السرقة في نصف الثوب شائعا لا يتحقق منفردا عن النصف الآخر ، فلهذا لم يقطع .

فإذا تعذر استيفاء القطع ظهر حكم المال فيقضى للحاضر بما أقر له به ، وذلك نصف الثوب إن كان قائما ونصف قيمته إن كان مستهلكا فإن كانا حاضرين فقال : أحدهما كذبت لم تسرقه ، ولكنك غصبته أو استودعناكه أو أعرناكه أو قال : هو ثوبك لا حق لنا فيه لم يقطع في شيء من ذلك إما للشركة له في الثوب بإقرار أحدهما له بالملك أو لانتفاء فعل السرقة عن نصيب أحدهما بتكذيبه ; لأنه لا يتحقق فعل السرقة في نصيب الآخر من الثوب منفردا ، ولكن يقضى بنصف الآخر أو بنصف قيمته إن كان مستهلكا لما بينا أن في حق الثاني ينبني القضاء على ما أقر له ، وإن كان ذلك ببينة وأحدهما غائب فقضي للحاضر بنصف الثوب أو بنصف قيمته ثم جاء الغائب وادعى السرقة يقضى له بمثل ذلك ; لأن أحد الشريكين في إثبات الملك قائم مقام صاحبه ، ولكن لا يقطع السارق ; لأن القاضي حين قضى بنصف الثوب للأول أو بنصف قيمته ، فقد درأ القطع عنه في نصيبه إذ القاضي لا يشتغل بالضمان إلا بعد درء الحد ، ولأنه بالضمان ملك ذلك النصف ، واعتراض الملك في البعض كاعتراضه في الجميع في إسقاط الحد عنه .

وإن كان الآخر حاضرا وقت الخصومة فقال : الثوب وديعة أو عارية لنا عندك لم يقض له بشيء ; لأنه أكذب شهوده ، فإنهم شهدوا بالسرقة وإكذاب المدعي شاهده يبطل الشهادة في حقه وليس للآخر أن يشاركه في تلك الخصومة ; لأنه أبطل حق نفسه بإكذابه شهوده وصار كما لو أبرأه عن نصيبه من الضمان وبعد الإبراء لا يبقى له حق مشاركة الآخر فيما يقبض

التالي السابق


الخدمات العلمية