صفحة جزء
( وإذا وهب الغاصب الثوب المغصوب لرجل فلبسه حتى تخرق أو كان طعاما فأكله ثم جاء المغصوب منه وضمن الموهوب له فليس له أن يرجع بالضمان على الواهب عندنا ) ، وقال الشافعي رحمه الله له ذلك ; لأنه صار مغرورا من جهته حين أوجب الملك له بالعقد ، وأخبره أنه يهب ملك نفسه ، وأنه لا يلحقه فيه ضمان من جهة أحد ، والمغرور يرجع على الغار بما يلحقه من الضمان دفعا للضرر عنه ، ولكنا نقول : الموهوب له في القبض والأكل عامل لنفسه ، ومن عمل لنفسه فلحقه ضمان بسببه لا يرجع به على أحد ، فأما المغرور قلنا : مجرد الغرور بالخبر لا يثبت له حق الرجوع كمن أخبر إنسانا أن هذا الطريق آمن فسلكه فأخذ اللصوص ماله أو أخبره أن هذا الطعام طيب ، وكان مسموما فتناوله فتلف .

وإنما الغرور في عقد الضمان هو المثبت للرجوع لمعنيين :

( أحدهما ) أن بعقد الضمان يستحق صفة السلامة عن العيب ، ولا عيب فوق [ ص: 82 ] الاستحقاق ، فبفوات ما هو مستحق له ثبت له حق الرجوع ، فأما بعقد التبرع لا يستحق الموهوب له صفة السلامة ; ولهذا لو وجد الموهوب معيبا لا يرده بالعيب ، فلا يرجع بسبب الغرور أيضا .

( والثاني ) وهو أن القابض بحكم عقد الضمان عامل للمالك من وجه ، فإنه يتقرر به حقه في العوض ، وهو الثمن ، فإذا لحقه ضمان بسببه رجع به عليه ، فأما الموهوب له في القبض عامل لنفسه من كل وجه ; لأن الواهب لم يشترط لنفسه شيئا ليتأكد ذلك بقبضه ، وعلى هذا لو وهب له جارية فاستولدها ، ثم جاء مستحق ، واستحقها وأخذها وعقرها وقيمة ولدها لم يرجع الموهوب له على الواهب بشيء ، بخلاف ما لو كان اشتراها ، فإن هناك يرجع بقيمة الولد ; لأنه ضمن له سلامة الولد بعقد الضمان ، فإذا لم يسلم له رجع عليه بما لحقه ، ولا يرجع بالعقر عندنا . وعلى قول الشافعي رحمه الله يرجع بالعقر أيضا ; لأن البائع قد ضمن له سلامة الوطء أيضا ، ولكنا نقول : وجب العقر بما استوفى منها ، وهو الذي نال تلك اللذة ، فلا يرجع بما لحقه بسببه على أحد .

وعلى هذا لو أن غاصب الدابة أجرها فعطبت عند المستأجر ، ثم ضمنه المغصوب منه قيمتها رجع بها على الآخر ليتحقق الغرور بمباشرة عقد الضمان ، ولأن المستأجر في قبضها عامل للآخر من وجه ، فإنه يتقرر به حقه في الأجر ، فأما المستعير إذا ضمن قيمة الدابة لصاحبها لم يرجع على أحد بالاتفاق عندنا لانعدام عقد الضمان كما بينا في الهبة ، وعند الشافعي رحمه الله ; لأن المستعير ضامن للعين في حق المعير فلهذا لا يرجع عليه بما يلحقه من الضمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية