ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين
ذكر
مقتل محمد بن إبراهيم
في هذه السنة قتل محمد بن إبراهيم بن مصعب أخو إسحاق بن إبراهيم .
وكان سبب ذلك أن إسحاق أرسل ولده محمد بن إسحاق بن إبراهيم إلى باب الخليفة; ليكون نائبا عنه ببابه ، فلما مات إسحاق عقد المعتز لابنه محمد بن إسحاق على فارس ، وعقد له المنتصر على اليمامة والبحرين ( وطريق مكة ) في المحرم من هذه السنة ، وضم إليه المتوكل أعمال أبيه كلها ، وحمل إلى المتوكل وأولاده من الجواهر التي كانت لأبيه ، والأشياء النفيسة كثيرا .
وكان عمه محمد بن إبراهيم على فارس ، فلما بلغه ما صنع المتوكل وأولاده بابن أخيه ساءه ذلك ، وتنكر للخليفة ولابن أخيه ، فشكا محمد بن إسحاق ذلك إلى المتوكل ، فأطلقه في عمه ليفعل به ما يشاء ، فعزله عن فارس ، واستعمل مكانه ابن عمه الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب ، وأمره بقتل عمه محمد بن إبراهيم .
فلما سار الحسين إلى فارس أهدى إلى عمه يوم النيروز هدايا ، وفيها حلوى فأكل محمد منها ، وأدخله الحسين بيتا ، ووكل عليه ، فطلب الماء ليشرب ، فمنع منه ، فمات بعد يومين . ذكر
ما فعله المتوكل بمشهد الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام
في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي ، عليه السلام ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يبذر ويسقى قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فنادى [ عامل صاحب الشرطة ] بالناس في تلك الناحية : من وجدناه عند قبره ، بعد ثلاثة ، حبسناه في المطبق ! فهرب الناس ، وتركوا زيارته ، وحرث ، وزرع .
وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ، عليه السلام ، ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى عليا وأهله بأخذ المال والدم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث ، وكان يشد على بطنه ، تحت ثيابه ، مخدة ، ويكشف رأسه ، وهو أصلع ، ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون : قد أقبل الأصلع البطين ، خليفة المسلمين ، يحكي بذلك عليا ، عليه السلام ، والمتوكل يشرب ، ويضحك ، ففعل ذلك يوما ، والمنتصر حاضر ، فأومأ إلى عبادة يتهدده ، فسكت خوفا منه ، فقال المتوكل : ما حالك ؟ فقام ، وأخبره ، فقال المنتصر : يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكاتب ، ويضحك منه الناس ، هو ابن عمك ، وشيخ أهل بيتك ، وبه فخرك ، فكل أنت لحمه ، إذا شئت ، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه ! فقال المتوكل للمغنين : غنوا جميعا :
غار الفتى لابن عمه رأس الفتى في حر أمه فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل .
وقيل : إن المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء : المأمون ، والمعتصم ، والواثق في محبة علي وأهل بيته ، وإنما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب ، والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجهم ، الشاعر الشامي ، ومن بني شامة ابن لؤي ، وعمر بن فرج الرخجي ، وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة ، من موالي بني أمية ، وعبد الله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة .
وكانوا يخوفونه من العلويين ، ويشيرون عليه بإبعادهم ، والإعراض عنهم ، والإساءة إليهم ، ثم حسنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين ، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان ، فغطت هذه السيئة جميع حسناته ، وكان من أحسن الناس سيرة ، ومنع الناس من القول بخلق القرآن إلى غير ذلك من المحاسن .
وقيل : كان ذلك سنة ثمان وثلاثين .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة
استكتب المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان .
وفيها
حج المنتصر بالله ، وحجت معه جدته أم المتوكل .
وفيها هلك أبو سعيد محمد بن يوسف المروزي فجأة ، وكان عقد له على أرمينية ، وأذربيجان ، فلبس أحد خفيه ، ومد الآخر ليلبسه ، فمات ، فولى المتوكل ابنه يوسف ما كان إلى أبيه ( من الحرب ) وولاه خراج الناحية ، فسار إليها وضبطها .
وحج بالناس هذه السنة المنتصر .
وفيها خرج حبيب البربري بالأندلس بجبال الجزيرة ، واجتمع إليه جمع كثير ، فأغاروا ، واستطالوا ، فسار إليهم جيش من عبد الرحمن ، فقاتلهم ، فهزمهم ، فتفرقوا .
وفيها : أخرج النصارى عن الدواوين ونهى أن يستعان بهم ، وعزلهم عن الولايات [ونهى أن يستخدموا في ] شيء من أمور المسلمين . وفيها :
أن علي بن يحيى الأرمني غزا الصائفة ، فلاقى صاحب الروم في ثلاثين ألفا من الروم ، وكان هو في نحو ثلاثة آلاف فارس ، فهزم الرومي ، وقتل من الروم أكثر من عشرين ألفا ، ثم مضى إلى عمورية ، فافتتحها وغنم ما فيها ، وأخرج منها أسارى من المسلمين ، وكانوا خلقا كثيرا ، وضرب كنائسها ، وفتح أيضا حصنا يقال له :
الفطس ، فأخرج منه عشرين ألف رأس من السبي ، وغنم غنيمة بلغت مائة ألف وعشرين ألف دينار .