الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين

            ذكر مقتل محمد بن إبراهيم  

            في هذه السنة قتل محمد بن إبراهيم بن مصعب أخو إسحاق بن إبراهيم .

            وكان سبب ذلك أن إسحاق أرسل ولده محمد بن إسحاق بن إبراهيم إلى باب الخليفة; ليكون نائبا عنه ببابه ، فلما مات إسحاق عقد المعتز لابنه محمد بن إسحاق على فارس ، وعقد له المنتصر على اليمامة والبحرين ( وطريق مكة ) في المحرم من هذه السنة ، وضم إليه المتوكل أعمال أبيه كلها ، وحمل إلى المتوكل وأولاده من الجواهر التي كانت لأبيه ، والأشياء النفيسة كثيرا .

            وكان عمه محمد بن إبراهيم على فارس ، فلما بلغه ما صنع المتوكل وأولاده بابن أخيه ساءه ذلك ، وتنكر للخليفة ولابن أخيه ، فشكا محمد بن إسحاق ذلك إلى المتوكل ، فأطلقه في عمه ليفعل به ما يشاء ، فعزله عن فارس ، واستعمل مكانه ابن عمه الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب ، وأمره بقتل عمه محمد بن إبراهيم .

            فلما سار الحسين إلى فارس أهدى إلى عمه يوم النيروز هدايا ، وفيها حلوى فأكل محمد منها ، وأدخله الحسين بيتا ، ووكل عليه ، فطلب الماء ليشرب ، فمنع منه ، فمات بعد يومين . ذكر ما فعله المتوكل بمشهد الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام  

            في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي ، عليه السلام ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يبذر ويسقى قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فنادى [ عامل صاحب الشرطة ] بالناس في تلك الناحية : من وجدناه عند قبره ، بعد ثلاثة ، حبسناه في المطبق ! فهرب الناس ، وتركوا زيارته ، وحرث ، وزرع .

            وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ، عليه السلام ، ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى عليا وأهله بأخذ المال والدم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث ، وكان يشد على بطنه ، تحت ثيابه ، مخدة ، ويكشف رأسه ، وهو أصلع ، ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون : قد أقبل الأصلع البطين ، خليفة المسلمين ، يحكي بذلك عليا ، عليه السلام ، والمتوكل يشرب ، ويضحك ، ففعل ذلك يوما ، والمنتصر حاضر ، فأومأ إلى عبادة يتهدده ، فسكت خوفا منه ، فقال المتوكل : ما حالك ؟ فقام ، وأخبره ، فقال المنتصر : يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكاتب ، ويضحك منه الناس ، هو ابن عمك ، وشيخ أهل بيتك ، وبه فخرك ، فكل أنت لحمه ، إذا شئت ، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه ! فقال المتوكل للمغنين : غنوا جميعا :

            غار الفتى لابن عمه رأس الفتى في حر أمه فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل .

            وقيل : إن المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء : المأمون ، والمعتصم ، والواثق في محبة علي وأهل بيته ، وإنما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب ، والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجهم ، الشاعر الشامي ، ومن بني شامة ابن لؤي ، وعمر بن فرج الرخجي ، وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة ، من موالي بني أمية ، وعبد الله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة .

            وكانوا يخوفونه من العلويين ، ويشيرون عليه بإبعادهم ، والإعراض عنهم ، والإساءة إليهم ، ثم حسنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين ، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان ، فغطت هذه السيئة جميع حسناته ، وكان من أحسن الناس سيرة ، ومنع الناس من القول بخلق القرآن إلى غير ذلك من المحاسن .

            وقيل : كان ذلك سنة ثمان وثلاثين .

            ذكر عدة حوادث

            في هذه السنة استكتب المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان   .

            وفيها حج المنتصر بالله ، وحجت معه جدته أم المتوكل   .

            وفيها هلك أبو سعيد محمد بن يوسف المروزي فجأة ، وكان عقد له على أرمينية ، وأذربيجان ، فلبس أحد خفيه ، ومد الآخر ليلبسه ، فمات ، فولى المتوكل ابنه يوسف ما كان إلى أبيه ( من الحرب ) وولاه خراج الناحية ، فسار إليها وضبطها .

            وحج بالناس هذه السنة المنتصر .

            وفيها خرج حبيب البربري بالأندلس بجبال الجزيرة ، واجتمع إليه جمع كثير ، فأغاروا ، واستطالوا ، فسار إليهم جيش من عبد الرحمن ، فقاتلهم ، فهزمهم ، فتفرقوا .

            وفيها : أخرج النصارى عن الدواوين ونهى أن يستعان بهم ، وعزلهم عن الولايات [ونهى أن يستخدموا في ] شيء من أمور المسلمين . وفيها :

            أن علي بن يحيى الأرمني غزا الصائفة ، فلاقى صاحب الروم في ثلاثين ألفا من الروم ، وكان هو في نحو ثلاثة آلاف فارس ، فهزم الرومي ، وقتل من الروم أكثر من عشرين ألفا ، ثم مضى إلى عمورية ، فافتتحها وغنم ما فيها ، وأخرج منها أسارى من المسلمين ، وكانوا خلقا كثيرا ، وضرب كنائسها ، وفتح أيضا حصنا يقال له :

            الفطس ، فأخرج منه عشرين ألف رأس من السبي ، وغنم غنيمة بلغت مائة ألف وعشرين ألف دينار .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية