ثم دخلت سنة ستين وثلاثمائة

ذكر عصيان أهل كرمان على عضد الدولة

لما ملك عضد الدولة كرمان ، كما ذكرناه ، اجتمع القفص والبلوص ، وفيهم أبو سعيد البلوصي وأولاده ، على كلمة واحدة في الخلاف ، وتحالفوا على الثبات والاجتهاد ، فضم عضد الدولة إلى كوركير بن جستان عابد بن علي فسارا إلى جيرفت فيمن معهما من العساكر ، فالتقوا عاشر صفر ، فاقتتلوا ، وصبر الفريقان ثم انهزم القفص ومن معهم ، فقتل منهم خمسة آلاف من شجعانهم ووجوههم ، وقتل ابنان لأبي سعيد .

ثم سار عابد بن علي يقص آثارهم ليستأصلهم ، فأوقع بهم عدة وقائع ، وأثخن فيهم ، وانتهى إلى هرموز فملكها ، واستولى على بلاد التيز ومكران ، وأسر ألفي أسير ، وطلب الباقون الأمان ، وبذلوا تسليم معاقلهم وجبالهم ، على أن يدخلوا في السلم ، وينزعوا شعار الحرب ، ويقيموا حدود الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم .

ثم سار عابد إلى طوائف أخر يعرفون بالحرومية والحاسكية يخيفون السبيل في البحر والبر ، وكانوا قد أعانوا سليمان بن أبي علي بن إلياس ، وقد تقدم ذكرهم ، فأوقع بهم ، وقتل كثيرا منهم ، وأنقذهم إلى عضد الدولة ، فاستقامت تلك الأرض مدة من الزمان .

ثم لم يلبث البلوص أن عادوا إلى ما كانوا عليه من سفك الدم وقطع الطريق ، فلما فعلوا ذلك تجهز عضد الدولة وسار إلى كرمان في ذي القعدة ، فلما وصل إلى السيرجان رأى فسادهم وما فعلوه من قطع الطريق بكرمان وسجستان وخراسان ، فجرد عابد بن علي في عسكر كثيف ، وأمره باتباعهم ، فلما أحسوا به أوغلوا في الهرب إلى مضايق ظنوا أن العسكر لا يتوغلها ، فأقاموا آمنين .

فسار في آثارهم ، فلم يشعروا إلا وقد أطل عليهم ، فلم يمكنهم الهرب ، فصبروا يومهم ، وهو تاسع ربيع الأول من سنة إحدى وستين وثلاثمائة ، ثم انهزموا آخر النهار ، وقتل أكثر رجالهم المقاتلة ، وسبي الذراري والنساء ، وبقي القليل ، وطلبوا الأمان فأجيبوا إليه ، ونقلوا عن تلك الجبال ، وأسكن عضد الدولة مكانهم الأكرة والزراعين ، حتى طبقوا تلك الأرض بالعمل ، وتتبع عابد تلك الطوائف برا حتى أتى عليهم وبدد شملهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية