الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ثم دخلت سنة ستين وثلاثمائة

            ذكر عصيان أهل كرمان على عضد الدولة  

            لما ملك عضد الدولة كرمان ، كما ذكرناه ، اجتمع القفص والبلوص ، وفيهم أبو سعيد البلوصي وأولاده ، على كلمة واحدة في الخلاف ، وتحالفوا على الثبات والاجتهاد ، فضم عضد الدولة إلى كوركير بن جستان عابد بن علي فسارا إلى جيرفت فيمن معهما من العساكر ، فالتقوا عاشر صفر ، فاقتتلوا ، وصبر الفريقان ثم انهزم القفص ومن معهم ، فقتل منهم خمسة آلاف من شجعانهم ووجوههم ، وقتل ابنان لأبي سعيد .

            ثم سار عابد بن علي يقص آثارهم ليستأصلهم ، فأوقع بهم عدة وقائع ، وأثخن فيهم ، وانتهى إلى هرموز فملكها ، واستولى على بلاد التيز ومكران ، وأسر ألفي أسير ، وطلب الباقون الأمان ، وبذلوا تسليم معاقلهم وجبالهم ، على أن يدخلوا في السلم ، وينزعوا شعار الحرب ، ويقيموا حدود الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم .

            ثم سار عابد إلى طوائف أخر يعرفون بالحرومية والحاسكية يخيفون السبيل في البحر والبر ، وكانوا قد أعانوا سليمان بن أبي علي بن إلياس ، وقد تقدم ذكرهم ، فأوقع بهم ، وقتل كثيرا منهم ، وأنقذهم إلى عضد الدولة ، فاستقامت تلك الأرض مدة من الزمان .

            ثم لم يلبث البلوص أن عادوا إلى ما كانوا عليه من سفك الدم وقطع الطريق ، فلما فعلوا ذلك تجهز عضد الدولة وسار إلى كرمان في ذي القعدة ، فلما وصل إلى السيرجان رأى فسادهم وما فعلوه من قطع الطريق بكرمان وسجستان وخراسان ، فجرد عابد بن علي في عسكر كثيف ، وأمره باتباعهم ، فلما أحسوا به أوغلوا في الهرب إلى مضايق ظنوا أن العسكر لا يتوغلها ، فأقاموا آمنين .

            فسار في آثارهم ، فلم يشعروا إلا وقد أطل عليهم ، فلم يمكنهم الهرب ، فصبروا يومهم ، وهو تاسع ربيع الأول من سنة إحدى وستين وثلاثمائة ، ثم انهزموا آخر النهار ، وقتل أكثر رجالهم المقاتلة ، وسبي الذراري والنساء ، وبقي القليل ، وطلبوا الأمان فأجيبوا إليه ، ونقلوا عن تلك الجبال ، وأسكن عضد الدولة مكانهم الأكرة والزراعين ، حتى طبقوا تلك الأرض بالعمل ، وتتبع عابد تلك الطوائف برا حتى أتى عليهم وبدد شملهم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية