صفحة جزء
وأن عليه النشأة الأخرى أي الإحياء بعد الإماتة وفاء بوعده جل شأنه : وفي البحر لما كانت هذه النشأة ينكرها الكفار بولغ بقوله تعالى عليه كأنه تعالى أوجب ذلك على نفسه ، وفي الكشاف قال سبحانه : ( عليه ) لأنها واجبة في الحكمة ليجازي على الإحسان والإساءة وفيه مع كونه على طريق الاعتزال نظر ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو - النشاءة - بالمد وهي أيضا مصدر نشأة الثلاثي وأنه هو أغنى وأقنى وأعطى القنية وهو ما يبقى ويدوم من الأموال ببقاء نفسه أو أصله كالرياض والحيوان والبناء ، وإفراد ذلك بالذكر مع دخوله في قوله تعالى : ( أغنى ) لأن القنية أنفس الأموال وأشرفها ، وفي البحر يقال : قنيت المال أي كسبته ويعدى أيضا بالهمزة والتضعيف فيقال : أقناه الله تعالى مالا وقناه الله تعالى مالا ، وقال الشاعر :


كم من غني أصاب الدهر ثروته ومن فقير يقني بعد إقلال



أي يقني المال ، وعن ابن عباس ( أغنى ) مول ، وأقنى أرضى . وهو بهذا المعنى مجاز من القنية قال الراغب : وتحقيق ذلك أنه جعل له قنية من الرضا والطاعة وذلك أعظم القنائن ، ولله تعالى در من قال :


هل هي إلا مدة وتنقضي     ما يغلب الأيام إلا من رضي



وعن ابن زيد والأخفش ( أقنى ) أفقر ، ووجه بأنهما جعلا الهمزة فيه للسلب والإزالة كما في أشكى ، وقيل : إنهما جعلا ( أقنى ) بمعنى جعل له الرضا والصبر قنية كناية عن ذلك ليظهر فيه الطباق كما في ( أمات وأحيا وأضحك وأبكى ) وفسره بأفقر أيضا الحضرمي إلا أنه كما أخرج عنه ابن جرير وأبو الشيخ قال ( أغنى ) نفسه سبحانه و «أفقر » الخلائق إليه عز وجل ، والظاهر على تقدير اعتبار المفعول في جميع الأفعال المتقدمة أن يكون من المحدثات الصالحة لتعلق الفعل ، وعندي أن ( أغنى ) سبحانه نفسه كأوجد جل شأنه نفسه لا يخلو عن سماجة وإيهام محذور ، وإنما لم يذكر مفعول لأن القصد إلى الفعل نفسه

التالي السابق


الخدمات العلمية