صفحة جزء
لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا حالا من المستكن في لابثين فيكون قيدا للبث فيحتمل أن يلبثوا فيها أحقابا غير ذائقين إلا حميما وغساقا، ثم يكون لهم بعد الأحقاب لبث على حال آخر من العذاب، وكذا إن جعل أحقابا منصوبا ب: لا يذوقون قيدا له إلا أن فيه بعدا، ومثله لو جعل: لا يذوقون فيها إلخ صفة ل أحقابا وضمير ( فيها ) لها لا لجهنم لكنه أبعد من سابقه. وقيل: المراد بالطاغين ما يقابل المتقين فيشمل العصاة والتناهي بالنظر إلى المجموع وهو كما ترى.

وقول مقاتل: إن ذلك منسوخ بقوله تعالى: فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا فاسد كما لا يخفى، وجوز أن يكون أحقابا جمع حقب كحذر من حقب الرجل إذا أخطأه الرزق، وحقب العام إذا قل مطره وخيره، والمراد: محرومين من النعيم وهو كناية عن كونهم معاقبين فيكون حالا من ضمير: لابثين .

وقوله تعالى: لا يذوقون صفة كاشفة أو جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب وهو على ما ذكر أولا جملة مبتدأة خبر عنهم، والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار فلا ينافي أنهم قد يعذبون بالزمهرير، والشراب معروف، والحميم الماء الشديد الحرارة، والغساق ما يقطر من جلود أهل النار من الصديد؛ أي: لا يذوقون فيه شيئا ما من روح ينفس عنهم حر النار، ولا من شراب يسكن عطشهم لكن يذوقون ماء حارا وصديدا.

وفي الحديث: «إن الرجل منهم إذا أدنى ذلك من فيه سقط فروة وجهه حتى يبقى عظاما تقعقع».

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن البرد الشراب البارد المستلذ. ومنه قول حسان بن ثابت:


يسقون من ورد البريص عليهم بردا يصفق بالرحيق السلسل



[ ص: 16 ] وقول الآخر:


أماني من سعدى حسان كأنما     سقتك بها سعدى على ظما بردا



فيكون ولا شرابا من نفي العام بعد الخاص. وقال أبو عبيدة والكسائي والفضل بن خالد ومعاذ النحوي: البرد: النوم، والعرب تسميه بذلك لأنه يبرد سورة العطش، ومن كلامهم: منع البرد، وقال الشاعر:


فلو شئت حرمت النساء سواكم     وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا



أي: وهو مجاز في ذلك عند بعض، ونقل في البحر عن كتاب اللغات في القرآن أن البرد هو النوم بلغة هذيل، وعن ابن عباس وأبي العالية: الغساق الزمهرير، وهو على ما قيل مستثنى من بردا إلا أنه أخر لتوافق رؤوس الآي فلا تغفل.

وقرأ غير واحد من السبعة: «غساقا» بالتخفيف.

التالي السابق


الخدمات العلمية