صفحة جزء
كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون

كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين فيه خمسة أقاويل : أحدها : أن عليين الجنة ، قاله ابن عباس .

الثاني : السماء السابعة ، قاله ابن زيد ، قال قتادة : وفيها أرواح المؤمنين .

الثالث : قائمة العرش اليمنى ، قاله كعب .

الرابع : يعني في علو وصعود إلى الله تعالى ، قاله الحسن .

الخامس : سدرة المنتهى ، قاله الضحاك . ويحتمل سادسا : أن يصفه بذلك لأنه يحل من القبول محلا عاليا . تعرف في وجوههم نضرة النعيم فيها ثلاثة أقاويل : أحدها : أنها الطراوة والغضارة ، قاله ابن شجرة .

الثاني : أنها البياض ، قاله الضحاك .

الثالث : أنها عين في الجنة يتوضؤون منها ويغتسلون فتجري عليهم نضرة النعيم ، قاله علي .

[ ص: 230 ]

ويحتمل رابعا : أنها استمرار البشرى بدوام النعمة . يسقون من رحيق مختوم وفي الرحيق ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه عين في الجنة مشوب بمسك ، قاله الحسن .

الثاني : أنه شراب أبيض يختمون به شرابهم ، قاله ابن أبي الدرداء .

الثالث : أنه الخمر في قول الجمهور ، ومنه قول حسان


يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل



لكن اختلفوا أي الخمر هي على أربعة أقاويل : أحدها : أنها الصافية ، حكاه ابن عيسى .

الثاني : أنها أصفى الخمر وأجوده ، قاله الخليل .

الثالث : أنها الخالصة من غش ، حكاه الأخفش .

الرابع : أنها العتيقة . وفي (مختوم) ثلاثة أقاويل : أحدها : ممزوج ، قاله ابن مسعود .

الثاني : مختوم في الإناء بالختم ، وهو الظاهر .

الثالث : ما روى أبي بن كعب ، قال : قيل يا رسول الله ما الرحيق المختوم؟ قال : (غدران الخمر) . ختامه مسك فيه أربعة تأويلات : أحدها : مزاجه مسك ، قاله مجاهد .

الثاني : عاقبته مسك ، ويكون ختامه آخره ، كما قال الشاعر


صرف ترقرق في الحانوت باطنه     بالفلفل الجون والرمان مختوما



قال قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك .

الثالث : أن طعمه وريحه مسك ، رواه ابن أبي نجيح .

الرابع : أن ختمه الذي ختم به إناؤه مسك ، قاله ابن عباس .

[ ص: 231 ]

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون فيه وجهان :

أحدهما : فليعمل العاملون ، قاله مجاهد .

الثاني : فليبادر المبادرون ، قاله أبو بكر بن عياش والكلبي . وفيما أخذ منه التنافس والمنافسة وجهان :

أحدهما : أنه مأخوذ من الشيء النفيس ، قاله ابن جرير .

الثاني : أنه مأخوذ من الرغبة فيما تميل النفوس إليه ، قاله المفضل . ومزاجه من تسنيم فيه ثلاثة تأويلات : أحدها أن التسنيم الماء ، قاله الضحاك .

الثاني : أنها عين في الجنة ، فيشربها المقربون صرفا ، وتمزج لأصحاب اليمين ، قاله ابن مسعود . وقال حذيفة بن اليمان : تسنيم عين في عدن ، وعدن دار الرحمن وأهل عدن جيرانه . .

الثالث : أنها خفايا أخفاها الله لأهل الجنة ، ليس لها شبه في الدنيا ولا يعرف مثلها . وأصل التسنيم في اللغة أنها عين ماء تجري من علو إلى سفل ، ومنه سنام البعير لعلوه من بدنه ، وكذلك تسنيم القبور . ويحتمل تأويلا رابعا : أن يكون المراد به لذة شربها في الآخرة أكثر من لذته في الدنيا ، لأن مزاج الخمر يلذ طعمها ، فصار مزاجها في الآخرة بفضل لذة مزاجها من تسنيم لعلو الآخرة على الدنيا .

[ ص: 232 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية