صفحة جزء
قوله تعالى : قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا الآية .

أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله : قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا قال : هم المنافقون، كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة، ويعني بالحديث الخطبة، فيلوذون ببعض الصحابة حتى يخرجوا من المسجد، وكان لا يصلح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة بعدما يأخذ في الخطبة، وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بإصبعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل؛ لأن الرجل منهم كان إذا تكلم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بطلت جمعته .

وأخرج أبو داود في "مراسيله"، عن مقاتل قال : كان لا يخرج أحد [ ص: 130 ] لرعاف أو إحداث حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، يشير إليه بإصبعه التي تلي الإبهام، فيأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، يشير إليه بيده، وكان من المنافقين من يثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد، فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه، يستتر به حتى يخرج، فأنزل الله : قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا الآية .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة : قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا قال : يتسللون عن نبي الله، وعن كتابه، وعن ذكره .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : لواذا قال : خلافا .

وأخرج عبد بن حميد عن سفيان : قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا قال : يتسللون من الصف في القتال، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة . قال : أن يطبع على قلوبهم .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن بن صالح قال : إني لخائف على من ترك المسح على الخفين أن يكون داخلا في هذه الآية : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .

وأخرج عبد الرزاق في "المصنف"، عن يحيى بن أبي كثير قال : نهى [ ص: 131 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقاتلوا من ناحية من خيبر، فانصرف الرجال عنهم، وبقي رجل، فقاتلهم فرموه فقتلوه، فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقال : «أبعد ما نهينا عن القتال؟» فقالوا : نعم، فتركه ولم يصل عليه .

وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال : أشد حديث سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال، قوله في سعد بن معاذ، وقوله في أمر القبر، ولما كانت غزوة تبوك قال : «لا يخرج معنا إلا رجل مقو» . فخرج رجل على بكر له صعب، فصرعه فمات، فقال الناس : الشهيد، الشهيد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن ينادي في الناس : «لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يدخل الجنة عاص» .

وأخرج عبد الرزاق عن زيد بن أسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم وهو مستقبل العدو : «لا يقاتل أحد منكم» . فعمد رجل منهم ورمى العدو وقاتلهم فقتلوه، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم : استشهد فلان . فقال : «أبعد ما نهيت عن القتال؟» . قالوا : نعم . قال : «لا يدخل الجنة عاص» .

وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله : لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله الآية [التوبة : 44] .

[ ص: 132 ] قال : كان لا يستأذنه إذا غزا إلا المنافقون، فكان لا يحل لأحد أن يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يتخلف بعده إذا غزا، ولا تنطلق سرية إلا بإذنه، ولم يجعل الله للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لأحد حتى نزلت الآية : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع يقول : أمر طاعة، لم يذهبوا حتى يستأذنوه الآية . فجعل الإذن إليه يأذن لمن يشاء، فكان إذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لأمر يأمرهم وينهاهم صبر المؤمنون في مجالسهم، وأحبوا ما أحدث لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يوحى إليه، وبما أحبوا وكرهوا فإذا كان شيء مما يكره المنافقون خرجوا يتسللون، يلوذ الرجل بالرجل، يستتر لكي لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى : إن الله تعالى يبصر الذين يتسللون منكم لواذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية