صفحة جزء
أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون

أم يقولون افتراه فإن قولهم هذا إنكار منهم لكونه من رب العالمين فلا بد أن يكون مورده حكما مقصود الإفادة لا قيدا للحكم بنفي الريب عنه، وقد رد عليهم ذلك، وأبطل حيث جيء بأم المنقطعة إنكارا له، وتعجيبا منه لغاية ظهور بطلانه، واستحالة كونه مفترى، ثم أضرب عنه إلى بيان حقية ما أنكروه حيث قيل: بل هو الحق من ربك بإضافة اسم الرب إلى ضميره صلى الله عليه وسلم بعد إضافته فيما سبق إلى العالمين تشريفا له صلى الله عليه وسلم، ثم أيد ذلك ببيان غايته حيث قيل: لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون فإن بيان غاية الشيء وحكمته لا سيما عند كونها غاية حميدة مستتبعة لمنافع جليلة في وقت شدة الحاجة إليها مما يقرر وجود الشيء، ويؤكده لا محالة، ولقد كانت قريش أضل الناس وأحوجهم إلى الهداية; بإرسال الرسول، وتنزيل الكتاب حيث لم يبعث إليهم [ ص: 80 ] من رسول قبله صلى الله عليه وسلم، أي: ما أتاهم من نذير من قبل إنذارك، أو من قبل زمانك. والترجي معتبر من جهته صلى الله عليه وسلم، أي: لتنذرهم راجيا لاهتدائهم، أو لرجاء اهتدائهم. واعلم أن ما ذكر من التأييد إنما يتسنى على ما ذكر من كون تنزيل الكتاب مبتدأ، وأما على سائر الوجوه فلا تأييد أصلا; لأن قوله تعالى: من رب العالمين خبر رابع على الوجه الأول، وخبر ثالث على الوجهين الأخيرين، وأيا ما كان فكونه من رب العالمين حكم مقصود الإفادة لا قيد لحكم آخر فتدبر.

التالي السابق


الخدمات العلمية