صفحة جزء
باب الاستنجاء من نجوت الشجرة ، أي قطعتها ، لأنه يقطع الأذى ، أو من النجوة ، وهي ما يرتفع من الأرض ، لأن قاضي الحاجة يستتر بها . قال في القاموس : واستطاب واستنجى ، كأطاب انتهى . فيسمى استطابة . وشرعا ( إزالة خارج ) معتاد وغيره ( من سبيل ) أصلي ، قبل أو دبر ( بماء ) طهور ( أو ) إزالة حكمه بما يقوم مقام الماء من ( حجر ونحوه ) كخشب وخزف ، ويسمى بالحجر استجمارا أيضا من الجمار ، وهي الحجارة الصغار .

( يسن لداخل خلاء ) بالمد ، أي ما أعد لقضاء الحاجة ، وأصله المكان الخالي ، يسمى به موضع الحاجة بخلائه في غير وقتها الذي لا شيء فيه ( ونحوه ) أي نحو داخل الخلاء ، كالمريد لقضاء الحاجة بنحو صحراء ( قول : بسم الله ) لحديث علي مرفوعا { ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف ، أن يقول : بسم الله } رواه ابن ماجه والترمذي ، وقال : ليس إسناده بالقوي .

( أعوذ بالله من الخبث ) بإسكان الباء ، قال أبو عبيدة ، وذكر القاضي عياض : أنه أكثر روايات الشيوخ ، وفسره بالشر ( والخبائث ) بالشياطين ، فكأنه استعاذ من الشر وأهله .

وقال الخطابي : بل هو بضم الباء ، وهو جمع خبيث ، والخبائث جمع خبيثة ، وكأنه استعاذ من ذكران [ ص: 33 ] الشياطين وإناثهم . وقيل : الخبث الكفر ، والخبائث الشياطين ( الرجس ) القذر . ويحرك ، وتفتح الراء وتكسر الجيم قاله في القاموس ( النجس ) اسم فاعل من نجس .

قال الفراء : إذا قالوه مع الرجس أتبعوه إياه ، أي قالوه بكسر النون وسكون الجيم .

( الشيطان ) من شطن أي بعد ، ومنه دار شطون ، أي بعيدة لبعده من رحمة الله ، أو من شاط أي هلك ، لهلاكه بمعصية الله ( الرجيم ) إما بمعنى راجم ، لأنه يرجم غيره بالإغواء ، أو بمعنى مرجوم ، لأنه يرجم بالكواكب إذا استرق السمع . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث } متفق عليه . وللبخاري " إذا أراد دخوله " .

وفي رواية لمسلم " أعوذ بالله " وروى أبو أمامة مرفوعا { لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم } رواه ابن ماجه فما ذكره المصنف كالمقنع والبلغة : جمع بين الخبرين .

( و ) يسن لداخل خلاء ونحوه ( انتعاله وتغطية رأسه ) ; لأنه صلى الله عليه وسلم { كان إذا دخل المرفق لبس حذاءه وغطى رأسه الشريف } رواه ابن سعد عن حبيب بن صالح مرسلا ( و ) يسن له ( تقديم يسراه ) أي : رجله اليسرى ( دخولا ) ; لأنها لما خبث .

وروى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة " من بدأ برجله اليمنى قبل يسراه إذا دخل الخلاء ابتلي بالفقر " ( و ) يسن ( اعتماده عليها ) أي : رجله اليسرى ( جالسا ) أي : حال جلوسه لقضاء الحاجة ، لحديث سراقة بن مالك { أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتكئ على اليسرى ، وأن ننصب اليمنى } رواه الطبراني والبيهقي ; ولأنه أسهل لخروج الخارج .

( و ) يسن له تقديم ( يمناه خروجا ) ; لأنها أحق بالتقديم إلى الأماكن الطيبة ( كخلع ) أي : كما تقدم اليسرى في خلع نحو خف ونعل ، ونحو قميص ، وسراويل ( وعكسه ) أي : عكس ذلك ( مسجد ) ومنزل ( وانتعال ) ولبس نحو قميص وخف وسراويل ، فيقدم الأيمن على الأيسر ، لما روى الطبراني في المعجم الصغير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى ، وإذا خلع فليبدأ باليسرى } .

( و ) يسن له إذا أراد قضاء الحاجة ( بفضاء بعد ) حتى لا يرى ، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد } رواه أبو داود .

وعن أبي هريرة مرفوعا { من أتى الغائط فليستتر ، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستتر به ، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم } [ ص: 34 ] من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج .

( و ) يسن له ( طلب مكان رخو ) بتثليث الراء - يبول فيه ، لحديث أبي موسى قال : { كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول ، فأتى دمثا في أصل جدار فبال ، ثم قال : إذا بال أحدكم فليرتد لبوله } رواه أحمد وأبو داود .

وفي التبصرة : ويقصد مكانا علوا انتهى ، أي : لينحدر عنه البول ( و ) يسن له إن لم يجد مكانا رخوا ( لصق ذكره بصلب ) بضم الصاد ، أي : شديد ، ليأمن بذلك من رشاش البول ( وكره ) له ( رفع ثوبه قبل دنوه من الأرض ) بلا حاجة إن لم يبل قائما ، لحديث أبي داود من طريق رجل لم يسمه ، وسماه بعضهم القاسم بن حمد - عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض } ولأنه أستر . .

( و ) كره له أيضا ( أن يصحب ما فيه اسم الله تعالى ) لحديث أنس { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه } رواه الخمسة إلا أحمد ، وصححه الترمذي ، وقد صح أن نقش خاتمه ( محمد رسول الله ) وتعظيما لاسم الله تعالى عن موضع القاذورات ( بلا حاجة ) بأن لم يجد من يحفظه ، وخاف ضياعه وجزم بعضهم بتحريمه بمصحف ، قال في الإنصاف : لا شك في تحريمه قطعا من غير حاجة ، ولا يتوقف في هذا عاقل .

و ( لا ) يكره أن يصحب ( دراهم ونحوها ) كدنانير فيها اسم الله لمشقة التحرز عنها ومثلها حرز قاله صاحب النظم وأولى ( لكن يجعل فص خاتم ) احتاج أن يصحبه معه وفيه اسم الله ( بباطن كف ) يد ( يمنى ) نصا ، لئلا يمس النجاسة أو يقابلها .

( و ) يكره له أيضا ( استقبال شمس وقمر ) لما فيهما من نور الله تعالى ، .

وروي أن معهما ملائكة . وأن أسماء الله مكتوبة عليهما .

( و ) يكره له استقبال ( مهب الريح ) لئلا يرد عليه البول ، فينجسه .

( و ) يكره له ( مس فرجه ) بيمينه ( واستجماره بيمينه ) لحديث أبي قتادة مرفوعا { لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه } متفق عليه .

ولمسلم عن سلمان { نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن كذا ، وأن نستنجي باليمين } . وكذا فرج أبيح له مسه ( بلا حاجة ) إلى مسه باليمين فإن كان من غائط أخذ الحجر بيساره فمسح به ومن بول أمسك ذكره بيساره فمسحه على الحجر ، ونحوه فإن احتاج إلى يمينه ( لصغر حجر تعذر وضعه بين عقبيه ) تثنية عقب ، ككتف مؤخر القدم ( أو ) تعذر وضعه بين ( إصبعيه ) أي إبهامي رجليه ( فيأخذه ) أي الحجر ( بها ) [ ص: 35 ] أي : بيمينه ( ويمسح بشماله ) فتكون اليسرى هي المحركة فإن كان أقطع اليسرى ، أو بها مرض ، استجمر بيمينه .

قال في التلخيص : يمينه أولى من يسار غيره فإن أمكنه وضع الحجر بين عقبيه أو إبهاميه كره مسكه بيمينه ، لا الاستعانة بها في الماء للحاجة ( و ) يكره أيضا ( بوله في شق ) بفتح الشين .

( و ) بول في ( سرب ) بفتح السين والراء بيت يتخذه الوحش والدبيب في الأرض ، لحديث قتادة عن عبد الله بن سرجس { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر } . قالوا لقتادة : ما يكره من البول في الجحر ؟ قال : يقال إنها مساكن الجن " رواه أحمد وأبو داود .

وروي أن سعد بن عبادة رضي الله عنه بال بجحر بالشام ، ثم استلقى ميتا ، فسمع من بئر بالمدينة :

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده ورميناه بسهم فلم تخط فؤاده

فحفظوا ذلك اليوم ، فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد وخشية خروج دابة ببوله فتؤذيه ، أو ترده عليه فينجسه .

( و ) يكره بوله في ( إناء بلا حاجة ) نصا فإن كانت لم يكره ، لقول أميمة بنت رقيقة عن أمها { كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل } رواه أبو داود والعيدان بفتح العين : طوال النخل .

( و ) يكره بوله في ( مستحم غير مقير أو مبلط ) لحديث أحمد وأبي داود عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمشط أحدنا كل يوم ، أو يبول في مغتسله } . وقد روي { أن عامة الوسواس منه } رواه أبو داود ، وابن ماجه ، فإن كان مقيرا أو مبلطا أو نحوه ، وأرسل الماء عليه فلا بأس به ، وقد قيل : إن البصاق على البول يورث الوسواس ، وأن البول على النار يورث السقم .

( و ) يكره أن يبول ( في ماء راكد ) ولو كثيرا للنهي عنه في المتفق عليه وتقدم .

( و ) يكره بول في ماء ( قليل جار ) ; لأنه ينجسه ، لا في كثير جار ، لمفهوم تقييده النهي عن البول في الراكد .

التالي السابق


الخدمات العلمية