صفحة جزء
باب ما أوجب الله تعالى من أداء الأمانات قال الله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها اختلف أهل التفسير في المأمورين بأداء الأمانة في هذه الآية من هم ، فروي عن زيد بن أسلم ومكحول وشهر بن حوشب أنهم ولاة الأمر . وقال ابن جريج : " إنها نزلت في عثمان بن طلحة ، أمر بأن ترد عليه مفاتيح الكعبة " .

وقال ابن عباس وأبي بن كعب والحسن وقتادة : " هو في كل مؤتمن على شيء " ؛ وهذه أولى ؛ لأن قوله تعالى : إن الله يأمركم خطاب يقتضي عمومه سائر المكلفين فغير جائز الاقتصار به على بعض الناس دون بعض إلا بدلالة ؛ وأظن من تأوله على ولاة الأمر ذهب إلى قوله تعالى : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل لما كان خطابا لولاة الأمر كان ابتداء الخطاب منصرفا إليهم ؛ وليس ذلك كذلك ؛ إذ لا يمتنع أن يكون أول الخطاب عموما في سائر الناس وما عطف عليه خاصا في ولاة الأمر على ما ذكرنا في نظائره في القرآن وغيره .

قال أبو بكر : ما اؤتمن عليه الإنسان فهو أمانة ، فعلى المؤتمن عليها ردها إلى صاحبها ؛ فمن الأمانات الودائع وعلى مودعيها ردها إلى من أودعه إياها ، ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أنه لا ضمان على المودع فيها إن هلكت .

وقد روي عن بعض السلف فيه الضمان ، ذكر الشعبي عن أنس قال : " استحملني رجل بضاعة فضاعت من بين ثيابي ، فضمنني عمر بن الخطاب " .

وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا حامد بن [ ص: 173 ] محمد قال : حدثنا شريح قال : حدثنا ابن إدريس عن هشام بن حسان عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال : " استودعت ستة آلاف درهم ، فذهبت ، فقال لي عمر : ذهب لك معها شيء ؟ قلت : لا ، فضمنني " .

وروى حجاج عن أبي الزبير عن جابر : أن رجلا استودع متاعا فذهب من بين متاعه ، فلم يضمنه أبو بكر رضي الله عنه وقال : هي أمانة . وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا إسماعيل بن الفضل قال : حدثنا قتيبة قال : حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من استودع وديعة فلا ضمان عليه . وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم قال : حدثنا محمد بن عون قال : حدثنا عبد الله بن نافع عن محمد بن نبيه الحجبي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ضمان على راع ولا على مؤتمن .

قال أبو بكر : قوله صلى الله عليه وسلم : لا ضمان على مؤتمن يدل على نفي ضمان العارية ؛ لأن العارية أمانة في يد المستعير ؛ ؛ إذ كان المعير قد ائتمنه عليها ؛ ولا خلاف بين الفقهاء في نفي ضمان الوديعة إذا لم يتعد فيه المودع . وما روي عن عمر في تضمين الوديعة فجائز أن يكون المودع اعترف بفعل يوجب الضمان عنده ، فلذلك ضمنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية