صفحة جزء
فصل وقوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية ، يدل على أن التسمية على الوضوء ليست بفرض لأنه أباح الصلاة بغسل هذه الأعضاء من غير شرط التسمية ، وهو قول أصحابنا وسائر فقهاء الأمصار .

وحكي عن بعض أصحاب الحديث أنه رآها فرضا في الوضوء ، فإن تركها عامدا لم يجزه وإن تركها ناسيا أجزأه . ويدل على جوازه قوله تعالى : وأنزلنا من السماء ماء طهورا فعلق صحة الطهارة بالفعل من غير ذكر التسمية شرطا فيه ، فمن شرطها فهو زائد في حكم هذه الآيات ما ليس منها وناف لما أباحته من جواز الصلاة بوجود الغسل . ويدل عليه من جهة السنة حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة وقال : هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به ولم يذكر فيه التسمية ؛ وقد علم الأعرابي الطهارة في الصلاة في حديث رفاعة بن رافع وقال : لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء فيغسل وجهه ويديه . إلى آخره ، ولم يذكر التسمية ؛ وحديث علي وعثمان وعبد الله بن زيد وغيرهم في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أحد منهم التسمية فرضا فيه ، وقالوا : هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كانت التسمية فرضا فيه لذكروها ولورد النقل به متواترا في وزن ورود النقل في سائر الأعضاء المفروض طهارتها ، لعموم الحاجة إليه .

فإن احتجوا [ ص: 366 ] بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه . قيل له : لا تجوز الزيادة في نص القرآن إلا بمثل ما يجوز به النسخ ، فهذا سؤال ساقط من وجهين :

أحدهما : ما ذكرنا ، والآخر أن أخبار الآحاد غير مقبولة فيما عمت البلوى به ، وإن صح احتمل أنه يريد به نفي الكمال لا نفي الأصل ، كقوله : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد و من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له ونحو ذلك .

فإن قيل : لما كان الحدث يبطله صار كالصلاة في الحاجة إلى ذكر اسم الله تعالى في ابتدائه . قيل له : قولك إن الحدث يبطل الصلاة غلط عندنا لأنه جائز بقاء الصلاة مع الحدث إذا سبقه ويتوضأ ويبني ؛ وأيضا فليست العلة في حاجة الصلاة إلى الذكر أن الحدث يبطلها وإنما المعنى أن القراءة مفروضة فيها ، وأيضا نقيسه على غسل النجاسة بمعنى أنه طهارة ، وأيضا فقد وافقونا على أن تركها ناسيا لا يمنع صحة الطهارة ؛ فبطل بذلك قولهم من وجهين :

أحدهما : أن الصلاة يستوي في بطلانها ترك ذكر التحريمة ناسيا أو عامدا ، والثاني : أنها لو كانت فرضا لما أسقطها النسيان ؛ إذ كانت شرطا في صحة الطهارة كسائر شرائطها المذكورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية