صفحة جزء
التي لم يخلق أي يقدر ويصنع - بناه للمفعول إرادة للتعميم مثلها يصح أن يعود الضمير على "عاد" باعتبار القبيلة، على "إرم" باعتبار البلدة، وأوضح هذا بقوله معمما للأرض كلها: في البلاد أي في بنائها ومرافقها [ ص: 28 ] وثمارها، وتقسيم مياهها وأنهارها، وطيب أرضها وحسن أطيارها، وما اجتمع بها مما يفوت الحصر ويعجز القوى، ولا مثل أهلها الذين بنوها في قوة أبدانهم وعظيم شأنهم وغير ذلك من أمورهم، وكان صاحبها شداد قد ملك المعمورة كلها فتحيزها فبناها في برية عدن في ثلاثمائة سنة يضاهي بها الجنة على ما زعم - قلوب ضلت وأضلت وأضلها باريها - قال أبو حيان : على أوصاف بعيد أو مستحيل عادة أن يكون في الأرض مثلها، فلما تمت على ما أراد قصدها للسكن وعمره إذ ذاك تسعمائة سنة، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فأهلكهم فكانوا كأمس الذاهب، وأخفى مدينتهم فلم يرها أحد إلا عبد الله بن قلابة ، خرج في طلب إبل ضلت له على زمن معاوية رضي الله عنه فوقع عليها، ولما خرج منها وانفصل عنها خفيت عنه، وكان قد حمل معه بعض ما رأى فيها من اللؤلؤ والمسك والزعفران فباعه، وسمع به معاوية رضي الله عنه فأرسل إليه فحدثه، [فأرسل]، معاوية رضي الله عنه إلى كعب الأحبار فسأله عن ذلك فقال: هي إرم ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أشقر أحمر قصير، على حاجبيه خال، [و] على عقبه خال، يخرج في طلب إبل له، ثم [ ص: 29 ] التفت فأبصر ابن قلابة فقال: هذا والله ذاك الرجل - ذكره شيخنا في تخريج أحاديث الكشاف [و] قال: وآثار الوضع عليه لائحة، وقال جماعة منهم ابن عباس رضي الله عنهما: الأوصاف كلها للقبيلة وهم عاد الأولى، واسمها إرم باسم جدهم، وكانوا عربا سيارة يبنون بيوتهم على الأعمدة على عادة العرب، ولم يخلق مثلهم أمة من الأمم في جميع البلاد.

التالي السابق


الخدمات العلمية