صفحة جزء
لما بين الناجين من قسمي الإنسان في العصر، وختم بالصبر، حصل تمام التشوف إلى أوصاف الهالكين، فقال مبينا لأضلهم وأشقاهم الذي الصبر على أذاه في غاية الشدة ليكون ما أعد له من العذاب مسلاة للصابر: ويل أي هلاك عظيم جدا لكل همزة أي الذي صار له الهمز عادة لأنه خلق ثابت في جبلته وكذا لمزة والهمز الكسر كالهزم، واللمز الطعن - هذا أصلهما، ثم خصا بالكسر من أعراض الناس والطعن فيهم، وقال ابن هشام في تهذيب السيرة: الهمزة الذي يشتم الرجل علانية، ويكسر عينيه عليه ويهمز به، واللمزة الذي [ ص: 244 ] يعيب الناس سرا - انتهى. وقال البغوي : وأصل الهمز الكسر والعض على الشيء بالعنف، والذي دل على الاعتياد صيغة فعل بضم وفتح كما يقال ضحكة للذي يفعل الضحك كثيرا حتى صار عادة له وضرى به، والفعلة بالسكون للمفعول وهو الذي يهمزه الناس ويلمزونه، وقرئ بها وكأنه إشارة إلى من يتعمد أن يأتي بما يهمز به ويلمز به فيصير مسخرة يضحك منه - والله أعلم.

وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما قال سبحانه وتعالى إن الإنسان لفي خسر أتبعه بمثال [من ذكر نقصه وقصوره واغتراره، وظنه الكمال لنفسه حتى يعيب غيره، واعتماده على ما جمعه من المال ظنا أنه يخلده وينجيه، وهذا كله هو عين النقص، الذي هو شأن الإنسان، وهو المذكور في السورة قبل، فقال تعالى ويل لكل همزة لمزة فافتتحت السورة] بذكر ما أعد له من العذاب جزاء له [على] همزه ولمزه الذي أتم حسده، والهمزة العياب الطعان واللمزة مثله، ثم ذكر تعالى ماله ومستقره بقوله: لينبذن في الحطمة أي ليطرحن في النار جزاء له على اغتراره وطعنه - انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية