صفحة جزء
آ. (62) قوله تعالى: ألسنتهم الكذب : العامة على أن "الكذب" مفعول به، و أن لهم الحسنى بدل منه بدل كل من كل، أو على إسقاط الخافض، أي: بأن لهم الحسنى. [ ص: 247 ] وقرأ الحسن: "ألسنتهم" بسكون التاء تخفيفا، وهي تشبه تسكين لام: "بلى ورسلنا لديهم يكتبون"، وهمزة "بارئكم" ونحوه.

والألسنة جمع "لسان" مرادا به التذكير فجمع كما يجمع فعال المذكر نحو: حمار وأحمرة، وإذا أريد به التأنيث جمع جمع أفعل كذراع وأذرع.

وقرأ معاذ بن جبل: "الكذب" بضم الكاف والذال ورفع الباء، على أنه جمع كذوب كصبور وصبر، وهو مقيس، وقيل: جمع كاذب نحو: شارف وشرف، كقولها:


3988 - ألا يا حمز للشرف النواء ... ... ... ...

لكنه غير مقيس، وهو حينئذ صفة ل "ألسنتهم"، وحينئذ يكون أن لهم الحسنى مفعولا به. وقد تقدم الكلام في: "لا جرم" مستوفى في هود.

قوله: وأنهم مفرطون قرأ نافع بكسر الراء اسم فاعل من أفرط [ ص: 248 ] إذا تجاوز، فالمعنى: أنهم يتجاوزون الحد في معاصي الله تعالى. فأفعل هنا قاصر. والباقون بفتحها اسم مفعول من أفرطته، وفيه معنيان، أحدهما: أنه من أفرطته خلفي، أي: تركته ونسيته، حكى الفراء أن العرب تقول: أفرطت منهم ناسا، أي: خلفتهم، والمعنى: أنهم منسيون متروكون في النار. والثاني: أنه من أفرطته، أي: قدمته إلى كذا، وهو منقول بالهمزة من فرط إلى كذا، أي: تقدم إليه، كذا قال الشيخ، وأنشد للقطامي:


2989 - واستعجلونا وكانوا من صحابتنا     كما تعجل فراط لوراد

فجعل "فرط" قاصرا و "أفرط" منقولا. وقال الزمخشري : "بمعنى يتقدمون إلى النار، ويتعجلون إليها، من أفرطت فلانا وفرطته إذا قدمته إلى الماء"، فجعل فعل وأفعل بمعنى، لا أن أفعل منقول من فعل، والقولان محتملان، ومنه "الفرط"، أي: المتقدم. قال عليه السلام: "أنا فرطكم على الحوض"، أي: سابقكم. ومنه "واجعله فرطا وذخرا"، أي: متقدما بالشفاعة وتثقيل الموازين.

وقرأ أبو جعفر في رواية "مفرطون" بتشديد الراء مكسورة من [ ص: 249 ] فرط في كذا: أي: قصر، وفي رواية، مفتوحة، من فرطته معدى بالتضعيف من فرط بالتخفيف، أي: تقدم وسبق.

وقرأ عيسى بن عمر والحسن: "لا جرم إن لهم النار وإنهم" بكسر "إن" فيهما على أنها جواب قسم أغنت عنه "لا جرم".

التالي السابق


الخدمات العلمية