صفحة جزء
ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون . الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون . إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون . في الحميم ثم في النار يسجرون . ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون . من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين . ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون . ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين . فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون . ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم [ ص: 236 ] من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون . الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون . ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون . ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون . أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون . فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون . فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين . فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون .

ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله يعني القرآن، يقولون: ليس من عند الله، أنى يصرفون أي: كيف صرفوا عن الحق إلى الباطل؟! وفيهم قولان . أحدهما: أنهم المشركون، قاله ابن عباس . والثاني: أنهم القدرية، ذكره جماعة من المفسرين . وكان ابن سيرين يقول: إن لم تكن نزلت في القدرية فلا أدري فيمن نزلت .

وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو رزين ، وأبو مجلز، والضحاك ، وابن يعمر، وابن أبي عبلة: "والسلاسل يسحبون" بفتح اللام والياء . وقال ابن عباس: إذا سحبوها كان أشد عليهم .

[ ص: 237 ] قوله تعالى: يسجرون قال مجاهد: توقد بهم النار فصاروا وقودها .

قوله تعالى: أين ما كنتم تشركون مفسر في [الأعراف: 190] .

وفي قوله: لم نكن ندعو من قبل شيئا قولان .

أحدهما: أنهم أرادوا أن الأصنام لم تكن شيئا، لأنها لم تكن تضر ولا تنفع، وهو قول الأكثرين .

والثاني: أنهم قالوه على وجه الجحود، قاله أبو سليمان الدمشقي .

كذلك أي: كما أضل الله هؤلاء يضل الكافرين .

ذلكم العذاب الذي نزل بكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق أي: بالباطل وبما كنتم تمرحون وقد شرحنا المرح في [بني إسرائيل: 37] . وما بعد هذا قد تقدم بتمامه [النحل: 29، يونس: 109، النساء: 164] إلى قوله: وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله وذلك لأنهم كانوا يقترحون عليه الآيات فإذا جاء أمر الله وهو قضاؤه بين الأنبياء وأممهم، و المبطلون : أصحاب الباطل .

قوله تعالى: ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم أي: حوائجكم في البلاد .

قوله تعالى: فأي آيات الله تنكرون استفهام توبيخ .

قوله تعالى: فما أغنى عنهم في "ما" قولان . أحدهما: أنها للنفي . [ ص: 238 ] والثاني: [أنها] للاستفهام، ذكرهما ابن جرير .

قوله تعالى: فرحوا بما عندهم من العلم في المشار إليهم قولان .

أحدهما: [أنهم] الأمم المكذبة، قاله الجمهور; ثم في معنى الكلام قولان . أحدهما: أنهم قالوا: نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نحاسب، قاله مجاهد . والثاني: فرحوا بما كان عندهم أنه علم، قاله السدي .

والقول الثاني: أنهم الرسل; والمعنى: فرح الرسل لما هلك المكذبون ونجوا بما عندهم من العلم بالله إذ جاء تصديقه، حكاه أبو سليمان وغيره .

قوله تعالى: وحاق بهم يعني بالمكذبين العذاب الذي كانوا به يستهزؤون . والبأس: العذاب . ومعنى سنت الله : أنه سن هذه السنة في الأمم، أي: أن إيمانهم لا ينفعهم إذا رأوا العذاب، وخسر هنالك الكافرون .

[ ص: 239 ] فإن قيل: كأنهم لم يكونوا خاسرين قبل ذلك؟

فعنه جوابان . أحدهما: أن "خسر" بمعنى "هلك" قاله ابن عباس .

والثاني: أنه إنما بين لهم خسرانهم عند نزول العذاب، قاله الزجاج .

التالي السابق


الخدمات العلمية