صفحة جزء
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم . ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير . ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور . أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور .

قوله تعالى: أم لهم شركاء يعني كفار مكة; والمعنى: ألهم آلهة شرعوا أي: ابتدعوا لهم دينا لم يأذن به الله؟! ولولا كلمة الفصل [ ص: 283 ] وهي: القضاء السابق بأن الجزاء يكون في القيامة لقضي بينهم في الدنيا بنزول العذاب على المكذبين . والظالمون في هذه الآية والتي تليها: يراد بهم المشركون . والإشفاق: الخوف . والذي كسبوا: هو الكفر والتكذيب، وهو واقع بهم يعني جزاءه . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: ذلك يعني: ما تقدم ذكره من الجنات الذي يبشر الله عباده قال أبو سليمان الدمشقي: "ذلك" بمعنى: هذا الذي أخبرتكم به بشرى يبشر الله بها عباده . وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: "يبشر" بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين .

قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المشركين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني: أنه لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وليس في يده سعة، فقال الأنصار: إن هذا الرجل قد هداكم الله به، وليس في يده سعة، فاجمعوا له من أموالكم مالا يضركم، ففعلوا ثم أتوه به، فنزلت هذه الآية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا .

والثالث: أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة .

[ ص: 284 ] والهاء في "عليه" كناية عما جاء به من الهدى .

وفي الاستثناء هاهنا قولان .

أحدهما: أنه من الجنس، فعلى هذا يكون سائلا أجرا . وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى، ثم قال: نسخت هذه بقوله: قل ما سألتكم من أجر فهو لكم . . . [الآية] [سبأ: 47]، وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل .

والثاني: أنه استثناء من غير الأول، لأن الأنبياء لا يسألون على تبليغهم أجرا; وإنما المعنى: لكني أذكركم المودة في القربى، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس، منهم العوفي، وهذا اختيار المحققين، وهو الصحيح، فلا يتوجه النسخ أصلا .

وفي المراد بالقربى خمسة أقوال .

أحدها: أن معنى الكلام: إلا أن تودوني لقرابتي منكم، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد في الأكثرين . قال ابن عباس: ولم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة .

والثاني: إلا [أن] تودوا قرابتي، قاله علي بن الحسين، وسعيد بن جبير، والسدي . ثم في المراد بقرابته قولان . أحدهما: علي وفاطمة وولدها، وقد رووه [ ص: 285 ] مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني: أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة ويقسم فيهم الخمس، وهم بنو هاشم وبنو المطلب .

والثالث: أن المعنى: إلا أن توددوا إلى الله تعالى فيما يقربكم إليه من العمل الصالح، قاله الحسن، وقتادة .

والرابع: إلا أن تودوني، كما تودون قرابتكم، قاله ابن زيد .

والخامس: إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم، حكاه الماوردي . والأول: أصح .

قوله تعالى: ومن يقترف أي: من يكتسب حسنة نزد له فيها حسنا أي: نضاعفها بالواحدة عشرا فصاعدا . وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري : "يزد له" بالياء إن الله غفور للذنوب شكور للقليل حتى يضاعفه .

أم يقولون أي: بل يقول كفار مكة افترى على الله كذبا حين زعم أن القرآن من عند الله! فإن يشأ الله يختم على قلبك فيه قولان .

[ ص: 286 ] أحدهما: يختم على قلبك فينسيك القرآن، قاله قتادة .

والثاني: يربط على قلبك بالصبر على أذاهم فلا يشق عليك قولهم: إنك مفتر، قاله مقاتل، والزجاج .

قوله تعالى: ويمح الله الباطل قال الفراء: ليس بمردود على "يختم" فيكون جزما، وإنما هو مستأنف، ومثله مما حذفت منه الواو ويدع الإنسان بالشر [الإسراء: 11] . وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير . تقديره: والله يمحو الباطل . وقال الزجاج : الوقف عليها "ويمحوا" بواو وألف; والمعنى: والله يمحو الباطل على كل حال، غير أنها كتبت في المصاحف بغير واو، لأن الواو تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين، فكتبت على الوصل، ولفظ الواو ثابت; والمعنى: ويمحو الله الشرك ويحق الحق بما أنزله من كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية