صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[31] قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال .

قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم وهو يوم القيامة : لا بيع فيه أي : ليتدارك به التقصير ، أو يفتدى به : ولا خلال أي : مخالة . مصدر بمعنى المصاحبة ; أي : لا مفاداة فيه ولا خلة أحد بمغنية شيئا من شفاعة أو مسامحة بمال يفتدي به ، كما قال تعالى : واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف طابق الأمر بالإنفاق وصف اليوم بأنه لا بيع فيه ولا خلال ؟ قلت : من قبل أن الناس يخرجون أموالهم في عقود المعاوضات فيعطون بدلا ليأخذوا مثله ، وفي المكارمات ومهاداة الأصدقاء ليستجروا بهداياهم أمثالها ، أو خيرا منها . وأما الإنفاق لوجه الله خالصا ، فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص ، فبعثوا عليه ليأخذوا بدله في اليوم : لا بيع فيه ولا خلال أي : لا انتفاع فيه بمبايعة ولا بمخالة ولا بما ينفقون فيه أموالهم من المعاوضات والمكارمات ، وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله . انتهى .

قال أبو السعود : والظاهر أن (من) متعلقة بـ ( أنفقوا ) وتذكير إتيان ذلك اليوم لتأكيد مضمونه ، من حيث أن كلا من فقدان الشفاعة وما يتدارك به التقصير ; معاوضة وتبرعا ، وانقطاع آثار البيع والخلال الواقعين في الدنيا وعدم الانتفاع بهما من أقوى الدواعي إلى الإتيان بما تبقى عوائده وتدوم فوائده من الإنفاق في سبيله تعالى . أو من حيث إن ادخار المال وترك إنفاقه ، إنما يقع غالبا للتجارات والمهاداة . فحيث لا يمكن [ ص: 3731 ] ذلك في الآخرة ، فلا وجه لادخاره إلى وقت الموت .

وتخصيص التأكيد بذلك لميل الطباع إلى المال ، وكونها مجبولة على حبه والفتنة به . ولا يبعد أن يكون تأكيدا لمضمون الأمر بإقامة الصلاة أيضا، من حيث إن تركها، كثيرا ما يكون بالاشتغال بالبيوع والمخالات. كما في قوله تعالى : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ولما ذكر أحوال الكافرين لنعم الله تعالى ، وأمر المؤمنين بإقامة مراسم الطاعة شكرا لنعمه ; شرع في تفصيل ما يستوجب على كافة الأنام المثابرة على الشكر والطاعة من النعم العظام ، حثا للمؤمنين عليها وتقريعا للكفرة المخلين بها ، الواضعين موضعها الكفر والمعاصي ، فقال سبحانه :

التالي السابق


الخدمات العلمية