صفحة جزء
[ ص: 252 ] وسئل شيخ الإسلام عن الواقف والناذر يوقف شيئا ; ثم يرى غيره أحظ لموقوف عليه منه هل يجوز إبداله ; كما في الأضحية ؟


فأجاب : وأما إبدال المنذور والموقوف بخير منه كما في إبدال الهدي : فهذا نوعان أحدهما : أن الإبدال للحاجة مثل أن يتعطل فيباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه : كالفرس الحبيس للغزو إذا لم يمكن الانتفاع به للغزو فإنه يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه والمسجد إذا خرب ما حوله فتنقل آلته إلى مكان آخر . أو يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه : أو لا يمكن الانتفاع بالموقوف عليه من مقصود الواقف فيباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه . وإذا خرب ولم تمكن عمارته فتباع العرصة ويشترى بثمنها ما يقوم مقامها : فهذا كله جائز ; فإن الأصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه . والثاني الإبدال لمصلحة راجحة : مثل أن يبدل الهدي بخير منه ومثل المسجد إذا بني بدله مسجد آخر أصلح لأهل البلد منه وبيع الأول : فهذا ونحوه جائز عند أحمد وغيره من العلماء .

واحتج أحمد بأن عمر بن الخطاب - رضي [ الله ] عنه - نقل مسجد الكوفة القديم إلى مكان آخر ; وصار الأول سوقا للتمارين فهذا إبدال لعرصة المسجد . [ ص: 253 ] وأما إبدال بنائه ببناء آخر ; فإن عمر وعثمان بنيا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بناء غير بنائه الأول وزادا فيه ; وكذلك المسجد الحرام فقد ثبت في الصحيحين { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ; ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرج الناس منه } . فلولا المعارض الراجح لكان النبي صلى الله عليه وسلم يغير بناء الكعبة . فيجوز تغيير بناء الوقف من صورة إلى صورة ; لأجل المصلحة الراجحة .

وأما إبدال العرصة بعرصة أخرى : فهذا قد نص أحمد وغيره على جوازه اتباعا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث فعل ذلك عمر واشتهرت القضية ولم تنكر . وأما ما وقف للغلة إذا أبدل بخير منه : مثل أن يقف دارا أو حانوتا أو بستانا أو قرية يكون مغلها قليلا فيبدلها بما هو أنفع للوقف : فقد أجاز ذلك أبو ثور وغيره من العلماء : مثل أبي عبيد في حرمويه قاضي مصر وحكم بذلك . وهو قياس قول أحمد في تبديل المسجد من عرصة إلى عرصة للمصلحة ; بل إذا جاز أن يبدل المسجد بما ليس بمسجد للمصلحة بحيث يصير المسجد سوقا فلأن يجوز إبدال المستغل بمستغل آخر أولى وأحرى . وهو قياس قوله في إبدال الهدي بخير منه . وقد نص على أن المسجد اللاصق بأرض إذا رفعوه وبنوا تحته سقاية واختار ذلك الجيران : فعل ذلك . لكن من أصحابه من منع إبدال المسجد والهدي والأرض الموقوفة وهو قول الشافعي وغيره ; لكن النصوص والآثار والقياس تقتضي جواز الإبدال للمصلحة . والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية