الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وقد تنازع الفقهاء في الواجب المقدر إذا زاده : كصدقة الفطر إذا أخرج أكثر من صاع . فجوزه أكثرهم وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد [ ص: 250 ] وغيرهم . وروي عن مالك كراهة ذلك . وأما الزيادة في الصفة فاتفقوا عليها والصحيح جواز الأمرين ; لقوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون } وقد ثبت باتفاق أهل العلم - وهو في كتب الحديث الصحاح وغيرها وكتب التفسير والفقه - أن الله لما أوجب رمضان كان المقيم مخيرا بين الصوم وبين أن يطعم كل يوم مسكينا . فكان الواجب هو إطعام المسكين وندب سبحانه إلى إطعام أكثر من ذلك فقال تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له } ثم قال : { وأن تصوموا خير لكم } فلما كانوا مخيرين كانوا على ثلاث درجات : أعلاها الصوم ويليه أن يطعم في كل يوم أكثر من مسكين وأدناها أن يقتصر على إطعام مسكين . ثم إن الله حتم الصوم بعد ذلك وأسقط التخيير في الثلاثة . فإن قيل : ففي سنن أبي داود : ثنا عبد الله بن محمد العقيلي .

                ثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن جهم بن الجارود عن سالم بن عبد الله عن أبيه : قال { أهدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه نجيبة فأعطى بها ثلاثمائة دينار ; فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أهديت نجيبة فأعطيت بها ثلاثمائة دينار أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنا ؟ قال : لا . انحرها إياها } فقد نهاه عن بيعها وأن يشتري بثمنها بدنا ؟ [ ص: 251 ] قيل : هذه القضية - بتقدير صحتها - قضية معينة ; ليس فيها لفظ عام يقتضي النهي عن الإبدال مطلقا ونحن لم نجوز الإبدال مطلقا . ولا يجوزه أحد من أهل العلم بدون الأصل وليس في هذا الحديث أن البدل كان خيرا من الأصل ; بل ظاهره أنها كانت أفضل . فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { سئل : أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها } وقد قال تعالى : { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } وقد قيل : من تعظيمها استحسانها واستسمانها والمغالاة في أثمانها . وهذه النجيبة كانت نفيسة ; ولهذا بذل فيها ثمن كثير فكان إهداؤها إلى الله أفضل من أن يهدى بثمنها عدد دونها والملك العظيم قد يهدى له فرس نفيسة فتكون أحب إليه من عدة أفراس بثمنها فالفضل ليس بكثرة العدد فقط بل قد قال الله تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } فما كان أحب إلى المرء إذا تقرب به إلى الله تعالى كان أفضل له من غيره ; وإن استويا في القيمة ; فإن الهدية والأضحية عبادة بدنية ومالية ; ليست كالصدقة المحضة ; بل إذا ذبح النفيس من ماله لله تعالى كان أحب إلى الله تعالى .

                قال بعض السلف : لا يهدي أحدكم لله تعالى ما يستحي أن يهديه لكريمه . وقد قال تعالى : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } وقد قرب ابنا آدم قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر . وقد ذكر أن سبب ذلك أن أحدهما قرب نفيس ماله والآخر قرب الدون من ماله . والله أعلم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية