صفحة جزء
[ ص: 327 ] باب ما يوجب القضاء والكفارة قال ( وإذا أكل الصائم أو شرب أو جامع نهارا ناسيا لم يفطر ) والقياس أن يفطر ، وهو قول مالك لوجود ما يضاد الصوم فصار كالكلام ناسيا في الصلاة ، وجه الاستحسان { قوله عليه الصلاة والسلام للذي أكل وشرب ناسيا تم على صومك فإنما أطعمك الله وسقاك } [ ص: 328 ] وإذا ثبت هذا في الأكل والشرب ثبت في الوقاع للاستواء في الركنية بخلاف الصلاة لأن هيئة الصلاة مذكرة فلا يغلب النسيان ولا مذكر في الصوم فيغلب ، ولا فرق بين الفرض والنفل لأن النص لم يفضل ولو كان مخطئا أو مكرها فعليه القضاء خلافا للشافعي رحمه الله ، فإنه يعتبره بالناسي ، ولنا أنه لا يغلب وجوده وعذر النسيان [ ص: 329 ] غالب ولأن النسيان من قبل من له الحق والإكراه من قبل غيره فيفترقان كالمقيد والمريض في قضاء الصلاة .


[ ص: 327 ] باب ما يوجب القضاء والكفارة ) ( قوله ناسيا لم يفطر ) إلا فيما إذا أكل ناسيا فقيل له : أنت صائم فلم يتذكر واستمر ثم تذكر ، فإنه يفطر عند أبي حنيفة ، وأبي يوسف لأنه أخبر بأن الأكل حرام عليه وخبر الواحد حجة في الديانات فكان يجب أن يلتفت إلى تأمل الحال ، وقال زفر والحسن : لا يفطر لأنه ناس .

( قوله فصار كالكلام ناسيا في الصلاة ) وكترك النية فيه وكالجماع في الإحرام والاعتكاف ناسيا فإن ذلك كله يفسد مع النسيان ( قوله : وجه الاستحسان قوله عليه الصلاة والسلام إلخ ) في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه } وحمله على أن المراد بالصوم اللغوي فيكون أمرا بالإمساك بقية يومه كالحائض إذا طهرت في أثناء اليوم ، ونحوه مدفوع أولا بأن الاتفاق على أن الحمل على المفهوم الشرعي حيث أمكن في لفظ الشارع واجب . فإن قيل : يجب ذلك للدليل على البطلان وهو القياس الذي ذكرناه .

قلنا : حقيقة النص مقدم على القياس لو تم فكيف وهو لا يتم ، فإنه لا يلزم من البطلان مع النسيان فيما له هيئة مذكرة البطلان معه فيما لا مذكر فيه ، وهيئة الإحرام والاعتكاف والصلاة مذكرة ، فإنها تخالف الهيئة العادية ولا كذلك الصوم ، والنسيان غالب للإنسان فلا يلزم من عدم عذره بالنسيان مع تلك عدم عذره به مع [ ص: 328 ] الصوم ، وثانيا : بأن نفس اللفظ يدفعه وهو قوله " فليتم صومه " وصومه إنما كان الشرعي ، فإتمام ذلك إنما يكون بالشرعي . وثالثا : بأن في صحيح ابن حبان وسنن الدارقطني { أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني كنت صائما فأكلت وشربت ناسيا فقال عليه الصلاة والسلام : أتم صومك فإن الله أطعمك وسقاك وفي لفظ ولا قضاء عليك } ورواه البزار بلفظ الجماعة وزاد فيه " ولا تفطر " .

وفي صحيح ابن حبان أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه { أنه عليه الصلاة والسلام قال : من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة } ورواه الحاكم وصححه . قال البيهقي في المعرفة : تفرد به الأنصاري عن محمد بن عمرو ، وكلهم ثقات ( قوله : للاستواء في الركنية ) الركن واحد وهو الكف عن كل منها ، فتساوت كلها في أنها متعلق الركن لا يفضل واحد منها على أخويه بشيء في ذلك ، فإذا ثبت في فوات الكف عن بعضها ناسيا عذره بالنسيان وإبقاء صومه كان ثابتا أيضا في فوات الكف ناسيا عن أخويه . يحكم بذلك كل من علم ذلك الاستواء ، ثم علم ذلك الثبوت وإن لم يكن من أهل الاجتهاد ، هذا ومن رأى صائما يأكل ناسيا إن رأى قوة تمكنه أن يتم صومه بلا ضعف المختار أنه يكره أن لا يخبره وإن كان بحال يضعف بالصوم ، ولو أكل يتقوى على سائر الطاعات يسعه أن لا يخبره ، ولو بدأ بالجماع ناسيا فتذكر إن نزع من ساعته لم يفطر وإن دام على ذلك حتى أنزل فعليه القضاء ، ثم قيل : لا كفارة عليه وقيل : هذا إذا لم يحرك نفسه بعد التذكر حتى أنزل ، فإن حرك نفسه بعده فعليه الكفارة ، كما لو نزع ثم أدخل ، ولو جامع عامدا قبل الفجر وطلع وجب النزع في الحال ، فإن حرك نفسه بعده فهو على هذا نظيره ما لو أولج ثم قال لها : إن جامعتك فأنت طالق أو حرة إن نزع أو لم ينزع ولم يتحرك حتى أنزل لا تطلق ولا تعتق ، وإن حرك نفسه طلقت وعتقت ويصير مراجعا بالحركة الثانية ، ويجب للأمة العقر ولا حد عليهما ( قوله فإنه يعتبره بالناسي ) يجامع أنه غير قاصد للجناية فيعذر بل هو أولى لأنه غير قاصد للشرب ولا للجناية ، والناسي قاصد للشرب غير قاصد للجناية ، ولقوله عليه الصلاة والسلام { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان } للحديث ، وقد تقدم في الصلاة تخريجه والجواب عنه .

وأما الجواب عن إلحاقه فما ذكره المصنف بقوله ( ولنا أنه ) أي عذر الخطأ والإكراه ( لا يغلب وجوده ) أما الإكراه فظاهر ، وكذا الخطأ إذ مع التذكر وعدم قصد الجناية الاحتراز عن الإفساد قائم بقدر الوسع ، وقلما يحصل الفساد مع ذلك بخلاف حالة عدم التذكر مع قيام مطالبة الطبع بالمفطرات فإنه يكثر [ ص: 329 ] معه الإفساد ، ولا يلزم من كونه عذر فيما يكثر وجوده مثله فيما لا يكثر ، ولأن الوصول إلى الجوف مع التذكر في الخطأ ليس إلا لتقصيره في الاحتراز فيناسب الفساد إذ فيه نوع إضافة إليه بخلاف النسيان ، فإنه برمته مندفع إليه من قبل من الإمساك حقه تعالى وتقدس ، فكان صاحب الحق هو المفوت لما يستحقه على الخلوص ، ولذا أضافه عليه الصلاة والسلام إليه تعالى حيث قال { أتم على صومك فإنما أطعمك الله وسقاك } وحقيقة هذا التعليل يقطع نسبته إلى المكلف فلا يكون ملزما عليه شيئا إذ لم يقع من جهته تفويت ، فظهر ظهورا ساطعا عدم لزوم اعتبار الصوم قائما مع الخطأ والإكراه لاعتباره قائما مع النسيان ، وصار مع الناسي كالمقيد مع المريض في قضاء الصلاة التي صلياها قاعدين حيث يجب القضاء على المقيد لا المريض ، وحكم النائم إذا صب في حلقه ما يفطر حكم المكره فيفطر . واعلم أن أبا حنيفة كان يقول أولا : في المكره على الجماع : عليه القضاء والكفارة لأنه لا يكون إلا بانتشار الآلة وذلك إمارة الاختيار ، ثم رجع . وقال : لا كفارة عليه ، وهو قولهما لأن فساد الصوم يتحقق بالإيلاج وهو مكره فيه مع أنه ليس كل من انتشر آلته يجامع .

التالي السابق


الخدمات العلمية