صفحة جزء
( وإذا قال لعبده أو أمته أنت حر أو معتق أو عتيق أو محرر أو قد حررتك أو قد أعتقتك فقد عتق نوى به العتق أو لم ينو ) لأن هذه الألفاظ صريحة فيه . [ ص: 433 ] لأنها مستعملة فيه شرعا وعرفا فأغنى ذلك عن النية والوضع ، وإن كان في الإخبار فقد جعل إنشاء في التصرفات الشرعية للحاجة كما في الطلاق والبيع وغيرهما ( ولو قال عنيت به الإخبار الباطل أو أنه حر من العمل صدق ديانة ) [ ص: 434 ] لأنه يحتمله ( ولا يدين قضاء ) لأنه خلاف الظاهر ( ولو قال له يا حر يا عتيق يعتق ) لأنه نداء بما هو صريح في العتق وهو لاستحضار المنادى بالوصف المذكور هذا هو حقيقته فيقتضي تحقق الوصف فيه وأنه يثبت من جهته فيقضي بثبوته تصديقا له فيما أخبر ، وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى إلا إذا سماه حرا ثم ناداه يا حر لأن مراده الإعلام باسم علمه وهو ما لقبه به . ولو ناداه بالفارسية يا آزاد وقد لقبه بالحر قالوا يعتق ، وكذا عكسه لأنه ليس بنداء باسم علمه فيعتبر إخبارا عن الوصف .


( قوله لأن هذه الألفاظ صريح فيه ) أي الألفاظ التي تستعمل لإنشاء الإعتاق صريح وكناية فالصريح المولى والحرية والعتق بأي صيغة كان فعلا أو وصفا أو مصدرا ، فالفعل نحو أعتقتك وحررتك وأعتقك الله على الأصح ، وقيل : بالنية والوصف نحو أنت حر محرم عتيق معتق ، ولو في النداء كيا حر يا عتيق فإنه هكذا حر ، والمولى كقوله هذا مولاي أو يا مولاي يعتق وإن لم ينو ، والمصدر العتاق عليك وعتقك علي .

ولو زاد قوله واجب لم يعتق لجواز وجوبه عليه بكفارة أو نذر . ولو قال أنت عتق أو عتاق أو حرية عتق بالنية ، ذكره في جوامع الفقه . فعلى هذا لا بد من إصلاح ضابط الصريح ، ثم حكم الصريح أن يقع به نواه أو لم ينوه لا إن نوى غيره إلا في القضاء .

أما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يقع إذا نوى غيره ، فلو قال : نويت بالمولى الناصر لا يصدق في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى هو على ما نوى ، وينبغي أن يكون هذا إذا لم يكن هازلا ، فإن كان هازلا فإنه يقع فيما بينه وبين الله تعالى ، وإن نوى غيره وهو الكذب هزلا هكذا يقتضيه ما صدر به الحاكم كتاب العتق من الكافي من قوله ذكر محمد بن الحسن [ ص: 433 ] عن أبي يوسف عن إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { من لعب بطلاق أو عتاق فهو جائز عليه } ونزلت هذه الآية { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } في ذلك فإنه يقتضي وقوعه عند الله تعالى عند الهزل به .

وذكر يعني محمدا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : من تكلم بطلاق أو عتاق أو نكاح فهو جائز عليه . وزاد الشافعية في الصريح فك الرقبة . ودفع بأنه خلاف الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم لذلك القائل { أليسا سواء ؟ فك الرقبة أن تعين في عتقها } وقوله تصبح حرا إضافة للعتق وتقوم حرا وتقعد يعتق في الحال . ولو قال : أنت حر النفس عتق في القضاء ، وإن قال في أفعالك وأخلاقك لا يعتق ، هكذا روى محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة وقال : أما أنا أرى أن يعتق إذا أراد به الحرية ، وعن أبي يوسف : يعتق بالنية ، قيل والظاهر قول محمد رحمه الله وبأدنى تأمل يظهر أن لا فرق بين هاتين العبارتين في المعنى ، فإذا كان كذلك فلا خلاف بينهما على هذا النقل . وعن أحمد أنه صريح واستبعد .

( قوله لأنها مستعملة فيه شرعا وعرفا ) على وجه يتبادر بلا قرينة مع الشهرة فيه وذلك أمارة الوضع فوافق قول الإيضاح وغيره حيث قالوا : الصريح ما وضع له والوضع يغني عن النية .

( قوله فأغنى عن النية ) يعني أنه لا يشترط النية لثبوت العتق ، أما نية عدمه بأن ينوي به شيئا آخر فمعتبر فيما بينه وبين الله تعالى لا في القضاء على ما سيذكر .

( قوله والوضع ) أي وضع التركيب لا المفرد على ما لا يخفى ولا المركب حتى يجيء فيه الخلاف في وضع المركب بل التركيبات موضوعة وضعا نوعيا ; مثلا وضع نسبة الفعل الذي عين الواضع صيغته للدلالة على مضي حدثه إلى شيء ليفيد الإخبار بأنه وقع منه فيما تقدم على وقت النطق فجعله لإثبات أمر لم يكن وضع آخر له .

والحاصل أن الحاجة قائمة إلى إثبات هذه المعاني عند النطق ولا بد من دفعها ، وقد استعمل الشرع والعرف واللغة في ذلك هذه الألفاظ فكانت حقائق شرعية على وفق اللغة فيها ، وهذا لأن أهل اللغة أيضا يثبتون هذا المعنى : أعني تحرير العبيد والإماء ببعض هذه الألفاظ ، فقوله فقد جعل إنشاء في التصرفات الشرعية لم يصرح بفاعل الجعل المذكور ، ولا شك أنه الشارع ويفيده قوله كما في البيع أيضا ، وحينئذ فيجب أن يكون المراد بجعل الشارع تقريره ، وكذا في الطلاق والعتاق ، وقد قدمنا في باب إيقاع الطلاق تقرير كلام الأصحاب من أن الطلاق يثبت اقتضاء تصحيحا لإخباره قبيله .

وكلام الكافي في العتق أيضا مثله ، وهو يقتضي أنه على خبريته لم يجعل إنشاء أصلا ، وعلى هذا قرره المصنف في الطلاق ، ولفظه في البيع يخالف ذلك ، وإنما لا تعتبر النية لأنها إنما تعتبر إذا كان المراد مشتبها . والحق أن المعنى متبادر في خصوص المادة ، وهو ما إذا كان الخطاب لعبد أو بالإشارة كقوله هذا حر فإنه يعتق به أيضا ، والوضع يعهد باعتبار خصوص مخاطب ومتكلم فلم يكن وضعا جديدا فليكن ثبوت العتق عنده بحكم الشرع به اقتضاء تصحيحا لإخباره كما مشى عليه في الكافي هنا وهو وغيره في الطلاق . ثم هذا التقرير إنما يجري في غير النداء ، أما في النداء فالتحرير فيه لا يثبت وضعا بل اقتضاء على ما سيذكره المصنف . هذا ويلحق بالصريح قوله لعبده وهبتك نفسك أو بعتك نفسك منك فإنه يعتق وإن لم ينو لأن موجب هذا اللفظ إزالة ملكه ، إلا أنه إذا أوجبه لآخر [ ص: 434 ] يتوقف على قبوله ، وإذا أوجبه للعبد يكون مزيلا بطريق الإسقاط فلا يحتاج إلى قبوله ولا يرتد بالرد ، أما إذا قال بعتك نفسك بكذا فإنه يتوقف على القبول .

( قوله ولا يدين لأنه خلاف الظاهر ) بخلاف ما لو قال عنيت أنه كان حرا في وقت فإنه ينظر إن كان العبد من السبي دين ، وإن كان مولدا لا يدين كذا في الغاية .

[ فروع ]

في البدائع : دعا عبده سالما فأجابه آخر فقال أنت حر ولا نية له عتق المجيب . ولو قال عنيت سالما عتقا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى إنما يعتق الذي عناه ، ولو قال يا سالم أنت حر فإذا هو عبد آخر عتق سالم لأنه لا مخاطب هنا إلا سالم ، وفيه قال لعبد أنت حر أو لزوجته أنت طالق إن نوى العتق والطلاق وقع لأنه يفهم من هذه عند الانفراد ما يفهم عند التركيب ، إلا أنها ليست صريحة لأنها عند الانفراد لم توضع للمعنى فصارت كالكناية فتقف على النية ، ولو قال أنت حر اليوم من هذا العمل عتق قضاء لأنه إذا صار حرا في شيء صار حرا في كل الأشياء .

( قوله وهو لاستحضار المنادى بالوصف المذكور ) هذا هو حقيقته تكلم في النداء في مواضع أولها هذا وتمام عبارته فيه فيقتضي تحقيق الوصف فيه وأنه ثبت من جهته فيقضي بثبوته تصديقا له وسنقرره من بعد : أي في مسألة يا ابني .

ثانيها فيما إذا لقيه حرا ثم ناداه يا آزاد أو آزاد وناداه يا حر أنه يعتق فقال لأنه ليس بنداء باسم علمه فيعتبر إخبارا عن الوصف المذكور ، وهذان معا يفيدان أن عتقه باعتبار إخباره عن ثبوت الوصف الذي هو الحرية فيه فيثبت تصديقا له ، ولا يخفى أنه لا إخبار في النداء إلا ضمنا ، فإن قوله يا حر يتضمن معنى يا من اتصف بالحرية فتثبت الحرية شرعا تصحيحا لكلامه ، وهذا يفيد أن ثبوتها اقتضاء تصحيحا لإخباره الضمني وهو لا يقتضي نقل الإخبار إلى الإنشاء ، وأما كلامه في الموضع الثالث وهو قوله يا ابني ، يا أخي حيث لا يعتق فزاد فيه في ثبوت الإعتاق قيدا آخر وهو أن يكون ذلك الوصف الذي عبر به عن المنادى يمكن إثباته من جهته كالعتق وما لا يمكن فيه ذلك يجعل لمجرد إعلامه باستحضاره ، والبنوة لا يمكن إثباتها حالة النداء لأنه لو خلق من مائة كان ابنا له قبل النداء لا به .

[ فرع ] في جوامع الفقه قال لعبد غيره يا حر اسقني ثم اشتراه يعتق ، قيل : هذا نقض للقاعدة . أجيب بأنه يمكن إثباته حال النداء بأن أعتق عبد غيره فأجاز المولى فإنه يعتق .

( قوله لأن مراده الإعلام ) أي إعلام العبد باسم علمه ليحضر بندائه ، وهذا ظاهر إذا كان علميته له معلومة فيكون قصد غيره ، استحضار الذات هو الاحتمال دون الظاهر فلا يعتق إلا أن يريده فيعتق حينئذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية