صفحة جزء
( قال : وما سوى ذلك من الحقوق يقبل فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين سواء كان الحق مالا أو غير مال مثل النكاح ) والطلاق والعتاق والعدة والحوالة والوقف والصلح ( والوكالة والوصية ) والهبة والإقرار والإبراء والولد والولاد والنسب ونحو ذلك . وقال الشافعي رحمه الله : لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها لأن الأصل فيها عدم القبول لنقصان العقل واختلال الضبط وقصور الولاية فإنها لا تصلح للإمارة ولهذا لا تقبل في الحدود ، ولا تقبل شهادة الأربع منهن وحدهن إلا أنها قبلت في الأموال ضرورة ، والنكاح أعظم خطرا وأقل وقوعا فلا يلحق بما هو أدنى خطرا وأكثر وجودا .

[ ص: 371 ] ولنا أن الأصل فيها القبول لوجود ما يبتنى عليه أهلية الشهادة وهو المشاهدة والضبط والأداء ، إذ بالأول يحصل العلم للشاهد ، وبالثاني يبقى ، وبالثالث يحصل العلم للقاضي ولهذا يقبل إخبارها في الأخبار ، ونقصان الضبط بزيادة النسيان انجبر بضم الأخرى إليها فلم يبق بعد ذلك إلا الشبهة فلهذا لا تقبل فيما يندرئ بالشبهات ، وهذه الحقوق تثبت مع الشبهات [ ص: 372 ] وعدم قبول الأربع على خلاف القياس كي لا يكثر خروجهن .


وكذا القصاص وما سوى ذلك من المعاملات : أي وكل ما سوى ذلك يقبل فيه رجلان أو رجل وامرأتان سواء كان الحق مالا أو لا كالنكاح والطلاق والوكالة والوصية ونحو ذلك كالعتق والرجعة والنسب .

وقال الشافعي : لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها كالإذن وشرط الخيار والشفعة والإجارة وقتل الخطإ وكل جرح لا يوجب إلا المال ، وكذا فسخ العقود وقبض نجوم الكتابة إلا النجم الأخير ففيه وجهان لترتب العتق عليه ، لأن الأصل فيها عدم القبول لنقصان العقل واختلال الضبط ، وكقول الشافعي [ ص: 371 ] رحمه الله قال مالك .

وعن أحمد روايتان رواية كقولنا ورواية كقولهما ، وقصور الرواية حتى إنها لا تصلح للإمارة ولا تقبل شهادة الأربع منهن ، لكن خرج عن الأصل شرعا في الأموال ضرورة لكثرة وقوع أسبابها فيلحق الحرج بطلب رجلين في كل حادثة ، وكذا العادة أن يوسع فيما يكثر وقوعه . بخلاف النكاح فإنه مع كونه أعظم خطرا أقل وقوعا فلا يلحق الحرج بالاشتراط ، ولذا قال تعالى في الرجعة { وأشهدوا ذوي عدل منكم } والرجعة من توابع النكاح فألحقت بقية التوابع به كالخلع والطلاق .

قال المصنف ( ولنا أن الأصل فيها القبول ) فابتدأ بتضمين منع مقدمته القائلة : الأصل عدم القبول ، ثم أثبت هذه بوجود ما ينبني عليه أهلية الشهادة وهو المشاهدة إلخ . واعترض بأن المشاهدة والضبط أهلية الأداء لا أهلية الشهادة ، بل هي كما قال في الأسرار : إن أهليتها بالولاية والولاية مبنية على الحرية ، والإرث والنساء في هذا كالرجال . بقي أهلية التحمل وهو بالمشاهدة والضبط والنساء في ذلك كالرجال ولهذا قبلت روايتهن لأحاديث الأحكام الملزمة للأمة .

فعن هذا قد يقال والله تعالى أعلم : إن جعل الشارع الثنتين في مقام رجل ليس لنقصان الضبط ونحو ذلك بل لإظهار درجتهن عن الرجال ليس غير ، ولقد نرى كثيرا من النساء يضبطن أكثر من ضبط الرجال لاجتماع خاطرهن أكثر من الرجال لكثرة الواردات على خاطر الرجال [ ص: 372 ] وشغل بالهم بالمعاش والمعاد وقلة الأمرين في جنس النساء . سلمنا أنه لنقصان الضبط وزيادة النسيان في جنسهن وإن كان بعض أفرادهن أضبط من بعض أفراد الرجال لقوله تعالى { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } لكن ذلك انجبر بضم الأخرى إليها فلم يبق حينئذ إلا الشبهة فلم تقبل فيما يندرئ بالشبهات ، وهذه الحقوق تثبت مع الشبهات ، وأما عدم قبول الأربع فعلى خلاف القياس كأنه كي لا يكثر خروجهن

التالي السابق


الخدمات العلمية