صفحة جزء
. قال : ( وإن ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا ) معناه من واحد ( وأقاما بينة ولا تاريخ معهما فالشراء أولى ) لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين ، ولأنه يثبت الملك بنفسه والملك في الهبة يتوقف على القبض ، [ ص: 255 ] وكذا الشراء والصدقة مع القبض لما بينا ( والهبة والقبض والصدقة مع القبض سواء حتى يقضي بينهما ) لاستوائهما في وجه التبرع ، ولا ترجيح باللزوم لأنه يرجع إلى المآل والترجيح بمعنى قائم في الحال ، وهذا فيما لا يحتمل القسمة صحيح ، وكذا فيما يحتملها عند البعض لأن الشيوع طارئ . وعند البعض لا يصح لأنه تنفيذ الهبة في الشائع وصار كإقامة البينتين على الارتهان وهذا أصح .


( قال ) أي القدوري في مختصره : ( وإن ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا ) قال المصنف ( معناه من واحد ) أي معنى ما قاله القدوري ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا من شخص واحد ، وإنما قيد به احترازا عما إذا كان ذلك من اثنتين ، فإن المدعيين حينئذ سواء ولا أولوية للشراء على الهبة كما سيجيء بعد ، ثم إن تمام لفظ القدوري ( وأقاما بينة ولا تاريخ معهما فالشراء أولى ) وكذا الحكم إذا أرخا وتاريخهما على السواء كما ذكر في غاية البيان نقلا عن مبسوط شيخ الإسلام ( لأن الشراء أقوى ) أي من الهبة ( لكونه معاوضة من الجانبين ) والهبة تبرع يوجب الاستحقاق من جانب فكانت بينة الشراء مثبتة للأكثر فكانت أولى ; لأن البينات تترجح بكثرة الإثبات ( ولأنه يثبت الملك بنفسه ) عطف على قوله : لكونه معاوضة من الجانبين لا على قوله : لأن الشراء أقوى : أي ولأن الشراء يثبت الملك بنفسه من غير توقف على شيء ( والملك في الهبة يتوقف على القبض ) ولا شك أن ما يثبت الملك بذاته أقوى مما يثبته بواسطة الغير ، فكان هذا دليلا آخر على كون الشراء أقوى من الهبة ، يشهد بذلك قول المصنف فيما سيأتي لاستوائهما في القوة ، فإن كل واحد منهما عقد معاوضة فيثبت الملك بنفسه انتهى .

قال صاحب العناية في شرح هذا المقام : لأنه لكونه معاوضة من الجانبين كان أقوى ، ولأن الشراء يثبت الملك بنفسه والهبة لا تثبته إلا بالقبض فكان الشراء والهبة ثابتين معا ، والشراء يثبت الملك دون الهبة لتوقفها على القبض انتهى . أقول : الظاهر من تحريره هذا كما ترى أنه جعل قول المصنف ولأنه يثبت الملك بنفسه معطوفا على قوله : لأن الشراء أقوى ، فجعل كلا منهما دليلا مستقلا على أصل المسألة ، وهو أولوية الشراء كما هو صريح كلام صاحب الكافي هاهنا ، لكن لا يخفى على ذي مسكة أن قول صاحب العناية بعيد هذا ، وقوله : لما بينا أشار إلى ما ذكر من الوجهين في أن الشراء أقوى انتهى .

ظاهر الدلالة على أن يكون [ ص: 255 ] قول المصنف ولأنه يثبت الملك إلخ معطوفا على قوله لكونه معاوضة من الجانبين ويكون كل منها وجها مستقلا لكون الشراء أقوى كما قررناه ( فيما قبل ، فبين كلاميه تدافع لا يخفى وكذا الشراء والصدقة مع القبض ) أي كذا الحكم إذا ادعى أحدهما الشراء والآخر الصدقة مع القبض ( لما بينا ) إشارة إلى ما ذكر في المسألة السابقة من الوجهين لكون الشراء أقوى ( والهبة والقبض والصدقة مع القبض سواء ) يعني إذا ادعى أحدهما هبة وقبضا والآخر صدقة وقبضا فهما سواء ( حتى يقضي بينهما ) أي نصفين ، كذا في الكافي وغيره ( لاستوائهما في وجه التبرع ) فإن قيل : لا نسلم التساوي فإن الصدقة لازمة لا تقبل الرجوع دون الهبة ، أجاب بقوله : ( ولا ترجيح باللزوم لأنه يرجع إلى المآل ) أي يظهر أثره في ثاني الحال ، إذ اللزوم عبارة عن عدم صحة الرجوع في المستقبل ( والترجيح بمعنى قائم في الحال ) أي الترجيح إنما يقع بمعنى قائم في الحال لا بمعنى يرجع إلى المآل .

وأجيب أيضا بأن امتناع الرجوع في الصدقة لحصول المقصود بها وهو الثواب لا لقوة السبب ، ولهذا لو وقعت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها أيضا لحصول المقصود وهو صلة الرحم ( وهذا ) أي القضاء بالتنصيف بينهما ( فيما لا يحتمل القسمة ) كالحمام والرحى ( صحيح ، وكذا فيما يحتمله ) أي فيما يحتمل الانقسام كالدار والبستان ( عند البعض لأن الشيوع طارئ ) يعني أن كل واحد منهما أثبت قبضه في الكل ، إلا أنه لم يسلم له البعض لمزاحمة صاحبه فكان الشيوع طارئا وذا لا يمنع صحة الهبة والصدقة ( وعند البعض لا يصح ) ولا يقضي لهما بشيء ( لأنه تنفيذ الهبة في الشائع ) فصار كإقامة البينتين على الارتهان . قيل هذا قول أبي حنيفة .

أما عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله فينبغي أن يقضي لكل واحد منهما بالنصف على قياس هبة الدار لرجلين ، والأصح أنه [ ص: 256 ] لا يصح في قولهم جميعا ; لأنا لو قضينا لكل واحد منهما بالنصف فإنما نقضي له بالعقد الذي شهد به شهوده ، وعند اختلاف العقدين لا تجوز الهبة لرجلين عندهم جميعا ، وإنما يثبت الملك بقضاء القاضي ، وتمكن الشيوع في الملك المستفاد بالهبة مانع صحتها ، كذا في العناية وغيرها

التالي السابق


الخدمات العلمية