صفحة جزء
قال ( ولا تجوز ) ( بما زاد على الثلث ) لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه { الثلث والثلث كثير } بعد ما نفى وصيته [ ص: 416 ] بالكل والنصف ، ولأنه حق الورثة ، وهذا لأنه انعقد سبب الزوال إليهم وهو استغناؤه عن المال فأوجب تعلق حقهم به ، إلا أن الشرع لم يظهره في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك مصيره على ما بيناه ، وأظهره في حق الورثة لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم تحرزا عما يتفق من الإيثار على ما نبينه ، وقد جاء في الحديث [ ص: 417 ] { الحيف في الوصية من أكبر الكبائر } وفسروه بالزيادة على الثلث وبالوصية للوارث .

قال ( إلا أن يجيزه الورثة بعد موته وهم كبار ) لأن الامتناع لحقهم وهم أسقطوه ( ولا معتبر بإجازتهم في حال حياته ) لأنها قبل ثبوت الحق إذ الحق يثبت عند الموت فكان لهم أن يردوه بعد وفاته ، بخلاف ما بعد الموت لأنه بعد ثبوت الحق فليس لهم أن يرجعوا عنه ، لأن الساقط متلاش . [ ص: 418 ] غاية الأمر أنه يستند عند الإجازة ، لكن الاستناد يظهر في حق القائم وهذا قد مضى وتلاشى ، ولأن الحقيقة تثبت عند الموت وقبله يثبت مجرد الحق ، [ ص: 419 ] فلو استند من كل وجه ينقلب حقيقة قبله ، والرضا ببطلان الحق لا يكون رضا ببطلان الحقيقة ، وكذا إن كانت الوصية للوارث وأجازه البقية فحكمه ما ذكرناه .


( قوله ولا تجوز بما زاد على الثلث لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه { الثلث والثلث كثير } بعدما نفى وصيته بالكل والنصف ) قال بعض المتأخرين : يعني أن هذا الحديث دل على عدم جواز الوصية بما زاد على الثلث صراحة ، وقوله عليه الصلاة والسلام { إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم } إلخ وإن دل عليه أيضا لأنه دل على جواز الوصية بالثلث على خلاف القياس فبقي ما فوقه [ ص: 416 ] على الأصل لكن لا بطريق الصراحة ولهذا استدل عليه بهذا دون ذاك انتهى . أقول : ليس هذا بسديد ، إذ لا يخفى عليك أن قوله عليه الصلاة والسلام { إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم } إلخ لا يدل على عدم جواز الوصية بما زاد على الثلث لا صراحة وهو ظاهر ، ولا دلالة لأن مفهوم المخالفة غير معتبر عندنا كما عرف ، وإنما يدل على جواز الوصية بالثلث . فجواز الوصية بما زاد على الثلث وعدم جوازها مسكوت عنهما بالنظر إلى ذلك الحديث فلا معنى لقوله وقوله عليه الصلاة والسلام { إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم } إلخ وإن دل عليه أيضا ، ولا وجه لتعليل ذلك بقوله لأنه دل على جواز الوصية بالثلث على خلاف القياس فبقي ما فوقه على الأصل ، فإن بقاء ما فوقه على أصل القياس ليس بمدلول ذلك الحديث أصلا ، وإنما هو مقتضى القياس فلا مجال للاستدلال على عدم جواز الوصية بما زاد على الثلث بذلك الحديث .

وقال ذلك البعض : إلا أن لقائل أن يقول : نفي جواز الوصية بالكل والنصف وإثبات جوازها بالثلث لا يدل صراحة على نفي جوازها بما بين النصف والثلث ، فالرجوع إلى الأصل في هذا المقدار ضروري في الاستدلال بحديث سعد أيضا انتهى .

أقول : هذا أيضا ليس بتام ، لأن نفي جواز الوصية بالكل والنصف وإثبات جوازها بالثلث وإن لم يدل على نفي جوازها بما بين النصف والثلث إلا أن قوله عليه الصلاة والسلام { الثلث كثير } : بعد إثبات جوازها بالثلث بقوله الثلث بالنصب على تقدير أعط الثلث أو أوص الثلث ، أو بالرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر : أي الثلث كاف ، أو على أنه فاعل محذوف الفعل : أي يكفيك الثلث يدل على نفي الزيادة على الثلث ، فإن المراد به أن الثلث كثير لا يجوز التجاوز عنه ، إذ لا فائدة في ذكر قوله والثلث كثير بعد قوله الثلث سوى نفي جواز التجاوز عن الثلث فيحمل عليه لا محالة ، وقد أشار إليه المصنف في تقريره حيث قال لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث سعد رضي الله عنه { الثلث والثلث كثير } بعد نفي وصيته بالكل والنصف ، ولم يقل لحديث سعد ، فقول ذلك القائل فالرجوع إلى الأصل في هذا المقدار ضروري في الاستدلال بحديث سعد أيضا ممنوع .

( قوله ولأنه حق الورثة وهذا لأنه انعقد سبب الزوال إليهم وهو استغناؤه عن المال فأوجب تعلق حقهم به ) وأوضحه صاحب الكافي بأن قال : ولأنه انعقد سبب زوال أملاكه عنه إلى غيره لأن المرض سبب الموت وبالموت يزول ملكه لاستغنائه عنه ، ولو تحقق السبب لزال من كل وجه ، فإذا انعقدت ثبت ضرب حق انتهى . أقول : في هذا التعليل قصور ، لأنه إنما يتمشى فيما إذا وقعت وصيته حال مرضه لا فيما إذا وقعت حال صحته ، إذ لا ينعقد سبب الزوال إليهم في حال الصحة لعدم استغنائه عن ماله في حال صحته ، فلا توجب وصيته في تلك الحالة تعلق حقهم به ، فالأولى في تعليل هذه المسألة ما ذكره صاحب البدائع حيث قال : ولأن الوصية بالمال إيجاب [ ص: 417 ] الملك عند الموت ، وعند الموت حق الورثة متعلق بماله إلا في قدر الثلث ، فالوصية بالزيادة على الثلث تتضمن إبطال حقهم ، وذلك لا يجوز من غير إجازتهم ، وسواء كانت وصيته في المرض أو في الصحة لأن الوصية إيجاب مضاف إلى زمان الموت فيعتبر وقت الموت لا وقت وجود الكلام ، إلى هنا لفظه تدبر .

( قوله إلا أن يجيزه الورثة بعد موته وهم كبار ) استثناء من قوله ولا يجوز بما زاد على الثلث . قال بعض المتأخرين في شرح قوله ولا يجوز بما زاد على الثلث : أراد لا تجوز في حق الفضل على الثلث بل في حق الثلث فقط ، لا أنه لا تجوز هذه الوصية أصلا . وقال هنا : فإن قلت : كيف يجوز إعمال اللفظ الواحد في بعض مدلوله دون بعض ، وبأي توجيه أمكن ذلك حتى جازت في الثلث وبطلت في الفضل إن ردوا ؟ قلت : يجعله في حكم وصايا متعددة بأن يجعل مثلا قوله أوصيت لفلان بثلثي مالي في قوة أوصيت له بثلثه وثلثه الآخر ، ويجعل قوله أوصيت له بعشرة آلاف درهم وقد كان ثلث ماله ثمانية آلاف بمنزلة أن يقال أوصيت له بثمانية آلاف وبألفين إلى غير ذلك صيانة لكلام العاقل عن إلغائه ما أمكن ، وحذرا عن إبطال حق يمكن إثباته بعقد صدر عن عاقل بلفظ يجوز تصحيحه بضرب من التأويل فتدبر ، فإن هذا مما يهم فهمه انتهى .

أقول : حسب أنه أتى بأمر مهم يتوقف عليه صحة معنى المقام ، ولم يدر أنه إنما ارتكب شططا ، فإن صحة بعض أجزاء شيء واحد وفساد بعض آخر منه ليس بمستبعد لا بحسب العقل ولا بحسب الفقه ; ألا يرى أنهم صرحوا بأنه إذا جمع بين عبد ومدبر في بيع بصفقة واحدة أو جمع بين عبد ومكاتب أو أم ولد فيه صح البيع في العبد بحصته من الثمن وفسد فيما ضم إليه من المدبر أو المكاتب أو أم الولد بناء على أن الفساد بقدر المفسد فلا يتعدى إلى الآخر ، وكذا الحال فيما إذا جمع بين الأجنبية وأختها في النكاح ، والمحذور بحسب العقل إنما يلزم أن لو كان محل الصحة والفساد واحدا ، وأما إذا كان متعددا بأن كان محل الصحة بعضا من شيء ذي أجزاء ومحل الفساد بعضا آخر منه كما فيما نحن فيه فلا محذور فيه عقلا أصلا ، فلا ولجعل وصية واحدة في حكم وصايا متعددة بلا أمر داع إليه ، وصيانة كلام العاقل عن الإلغاء مهما أمكن ، والحذر عن إبطال حق يمكن إثباته بعقد صدر عن عاقل مما لا يدعو إليه أصلا فيما نحن فيه لأن إلغاء الوصية فيما فضل عن الثلث إذا رده الورثة ، وإثباتها في مقدار الثلث ضروري على مقتضى الشره سواء جعلت وصية بما زاد على الثلث بكلام واحد في حكم وصايا متعددة أو أبقيت على حالها الظاهرة من كلامه ، وبالجملة ما ذهب إليه ذلك البعض هنا أمر وهمي لا أصل له كما ترى .

( قوله لأن الساقط متلاش ) قال الشراح قاطبة : قول المصنف هذا تعليل لقوله فكان لهم أن يردوه بعد وفاته ، وتقريره لأن إجازتهم في ذلك الوقت كانت ساقطة لعدم مصادفتها محلها والساقط متلاش فإجازتهم متلاشية فكان لهم أن يردوا بعد الموت ما أجازوه في حال حياة المورث انتهى . أقول : فيه إشكال .

أما أولا فلأنه لا وجه لأن يقال : إن إجازتهم في حال حياة المورث ساقطة ، لأن إجازتهم في ذلك الوقت غير معتبرة أصلا كما صرح به فيما قبل وبينه ، والسقوط إنما يستعمل فيما له ثبوت واعتبار في الأصل لكن زال ذلك لداع ; ألا يرى أنه لا يقال سقط حق غير الوارث عن مال المورث بل يقال لم يتعلق به حقه أصلا . وأما ثانيا فلأنه يلزم الفصل بين المدعي ودليله على تقدير كون قوله المذكور تعليلا لما ذكروه بمسألة أخرى مع دليلها وهي قوله بخلاف ما بعد الموت لأنه بعد ثبوت الحق فليس لهم أن يرجعوا عنه ، ولا يخفى عنه ركاكته وبعده عن شأن المصنف ، والحق عندي [ ص: 418 ] أن قول المصنف هذا تعليل لقوله قبيله لهم أن يرجعوا عنه : يعني أن إجازتهم بعد الموت إسقاط لحقهم بعد ثبوته والساقط متلاش لا يعود فلم يتيسر لهم الرجوع عنه فحينئذ ينتظم اللفظ والمعنى كما لا يخفى .

( قوله غاية الأمر أنه يستند عند الإجازة ) وفي بعض النسخ عند الاستغناء ( لكن الاستناد يظهر في حق القائم وهذا قد مضى وتلاشى ) هذا جواب عن شبهة ترد على هذا التقرير ، وهي أن حق الورثة وإن ثبت عند الموت إلا أنه يستند إلى أول المرض ، فبالموت يظهر أن حقهم كان ثابتا قبل الموت فينبغي أن تصير إجازتهم في حال حياة المورث بمنزلة إجازتهم بعد موته بسبب الاستناد . فأجاب بأن الاستناد . إنما يظهر في حق القائم كما في العقود الموقوفة إذا لحقتها الإجازة فإنها تصح إذا كان المعقود عليه قائما ، وكثبوت الملك في المغصوب عند أداء الضمان ، وهذا أي ما نحن فيه من الإجازة في حال حياة المورث قد مضى وتلاشى لكونه لغوا وقتئذ فلم يكن قائما فلا يظهر في حق الاستناد . هذا خلاصة ما في عامة الشروح ، وإلى هذا التقرير أشار فخر الإسلام في مبسوطه كما فصل في النهاية . وقال صاحب العناية في تقرير السؤال والجواب هنا : فإن قيل : لا نسلم عدم مصادفة المحل فإن حق الورثة ثبت في مال المورث من أول المرض حتى منع عن التصرف في الثلثين ، فلما مات ظهر أنها صادفت محلها فصارت كإجازتهم بعد موت المورث بسبب الاستناد .

أجاب بقوله غاية الأمر : يعني أن حقهم وإن استند إلى أول المرض لكن الاستناد يظهر في حق القائم يعني كما في العقود الموقوفة إذا لحقتها الإجازة ، وكثبوت الملك في الغصب عند أداء الضمان ، فإن الملك يثبت فيهما مستندا إلى أول العقد والغصب ، وهذا يعني ما نحن فيه من الإجازة قد مضى وتلاشى حين وقع إذ لم يصادف محله فلا يلحقها الاستناد انتهى . أقول : فيه خلل ، فإنه قال في أول تقرير السؤال : لا نسلم عدم مصادفة المحل واستند إلى منع ذلك بقوله فإن حق الورثة ثبت في مال المورث من أول المرض حتى منع من التصرف في الثلثين .

وقال في آخر تقرير الجواب تعليلا لقول المصنف : وهذا قد مضى وتلاشى إذ لم يصادف محله ، وعدم مصادفته المحل هو الذي قد كان منع في أول السؤال فختم الجواب به مصادرة كما لا يخفى .

( قوله ولأن الحقيقة تثبت عند الموت وقبله يثبت مجرد الحق ) قال بعض الفضلاء : ظاهره مخالف لما سبق آنفا من قوله إذ الحق يثبت عند الموت ، إلا أن المراد هنا ثبوته بطريق الاستناد بخلاف ما سبق كما لا يخفى انتهى . أقول : منشأ توهم المخالفة الغفول عن قيد مجرد في قول المصنف وقبله يثبت مجرد الحق ، فإن المراد به الحق الذي لا يجامع الحقيقة وهو الحق الذي يمنع تصرف المورث في الثلثين قبل موته كما تقرر من قبل في تعليل عدم جواز الوصية بما زاد على الثلث بقوله ولأنه حق الورثة إلى آخره ، والمراد بالحق في قوله فيما سبق آنفا ، إذ الحق يثبت عند الموت هو الحق المجامع للحقيقة فلا مخالفة أصلا . وأما الحق الثابت بطريق الاستناد فإنما يتصور عند الموت لكون الاستناد فرع تحقق حقيقة الملك التي تثبت عند الموت فلا حاجة إلى أن يحمل على [ ص: 419 ] ذلك قول المصنف وقبله يثبت مجرد الحق ، بل لا وجه له بالنظر إلى ربط ما بعده به كما يظهر بالتأمل الصادق .

( قوله فلو استند من كل وجه لانقلب حقيقة قبله ) يعني لو استند ملك الورثة إلى أول المرض من كل وجه لانقلب الحق حقيقة قبل الموت ، وذلك باطل لاستلزامه وقوع الحكم قبل السبب وهو مرض الموت . قال صاحب العناية : وإنما قيد بقوله من كل وجه دفعا لوهم من يقول : حق الورثة يتعلق بمال المورث من أول المرض حتى منع ذلك التعلق تصرف المورث في الثلثين فيجب أن يظهر أثر ذلك التعلق في حق إسقاطهم بالإجازة أيضا . وجه الدفع أنه لو ظهر أثر ذلك التعلق في ذلك أيضا لانقلب الحق حقيقة من كل وجه وهو لا يجوز لما مر انتهى .

أقول : لمانع أن يمنع استلزام أن يظهر أثر ذلك التعلق في حق إسقاطهم بالإجازة أيضا انقلاب الحق حقيقة أصلا فضلا عن استلزامه انقلابه إياها من كل وجه لجواز أن يظهر أثر ذلك التعلق مجرد تعلق حقهم بمال المورث من أول المرض في كلا الأمرين معا بدون أن ينقلب الحق حقيقة أصلا ، إذ لا ريب أن لزوم ذلك الانقلاب ليس ببديهي ولم يقم عليه برهان ، ولهذا وقع على اعتبار إجازتهم قبل الموت أيضا اجتهاد مالك وابن أبي ليلى والزهري والأوزاعي وعطاء وغيرهم كما ذكروا .

ثم قال صاحب العناية : فإن قيل : الوارث إذا عفا عن جارح أبيه قبل موت أبيه فإنه يصح ويلزم من ذلك أحد أمرين : إما أن لا يلزم من الاستناد من كل وجه قلب الحق حقيقة ، وإما أن لا يكون هذا القلب مانعا . أجيب بأن هذا القلب مانع إذا لم يتحقق السبب والجرح سبب الموت وقد تحقق بخلاف الإجازة ، فإن السبب لم يتحقق ثمة لأن السبب هو مرض الموت [ ص: 420 ] ومرض الموت هو المتصل بالموت ، فقبل الاتصال لو انقلب الحق حقيقة وقع الحكم قبل السبب وهو باطل فنحن بين أمرين : إما أن نبطل العفو عن الجارح نظرا إلى عدم الحقيقة ، وإما أن نجيز الإجازة نظرا إلى وجود الحق ، وفي ذلك إبطال لأحدهما ، فقلنا : لا تجوز الإجازة نظرا إلى انتفاء الحقيقة وجاز العفو نظرا إلى وجود الحق ، ولم يعكس لكون العفو مطلوب الحصول ا هـ .

أقول : فيه خلل ، لأن قوله فنحن بين أمرين إلخ مفرعا على ما قبله ليس بسديد . أما أولا فلأن قوله وإما أن نجيز الإجازة نظرا إلى وجود الحق مما لا مجال له بعد أن قرر فيما قبل أن ذلك يستلزم انقلاب الحق حقيقة ، وأن انقلاب الحق حقيقة مانع إذا لم يتحقق السبب لاستلزامه وقوع الحكم قبل السبب ، وإن السبب لم يتحقق في صورة الإجازة قبل الموت بناء على أن السبب هو مرض الموت ومرض الموت هو المتصل بالموت .

وأما ثانيا فلأن قوله ولم يعكس لكون العفو مطلوب الحصول غير تام لاقتضائه جواز العكس لولا كون العفو مطلوب الحصول ، مع أن ما قرره فيما قبل وما ذكر في الكتاب يمنعان جواز ذلك أصلا . وبالجملة لا مجال لربط قوله فنحن بين أمرين إلخ بما ذكره نفسه فيما قبله بل بما ذكر في الكتاب أيضا ، فالوجه ترك ذلك والاكتفاء في الجواب عن النقض بصحة عفو الوارث عن جارح أبيه قبل موت أبيه بما ذكره قبله كما فعله صاحب النهاية ومعراج الدراية . ثم إن بعض الفضلاء أورد على قوله لأن السبب هو مرض الموت ومرض الموت هو المتصل بالموت بأن قال : وكذا السبب الجرح المتصل بالموت فلا فرق . وقال : ولذلك قال فنحن بين أمرين إلخ انتهى .

أقول : ليس شيء من كلاميه بمستقيم . أما نقضه بالجرح فلأن الجرح فعل واحد صادر عن الجارح لا تكرر فيه إلى أن يموت المجروح حتى يقال : إن السبب هو الجرح المتصل بالموت ، بل إنما السبب هو الجرح الواحد الصادر عن الجارح ، إلا أنه يحتمل أن يكون قاتلا وغير قاتل ، وبالموت يظهر أنه قاتل ، بخلاف المرض فإنه حالة انفعالية تتكرر وتتجدد إلى الموت ، فالقاتل منها هي التي تتصل بالموت فهي السبب للموت فافترقا . وأما قوله ولذلك قال فنحن بين أمرين إلخ فلأن فاء التفريع تنافي ذلك كما لا يخفى على من له دراية بأساليب الكلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية